للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يعنى بذلك كُفَّارَ بني إسرائيلَ، وهم -فيما ذُكر- بنو أخى المقتولِ، فقال لهم: ثم قسَتْ قلوبُكم. أي: جَفَتْ وغلُظتْ وعَسَتْ، كما قال الراجزُ (١):

وَقَدْ قَسَوْتُ وَقَسا لُدَّتى (٢)

يُقالُ: قسا وعسا وعتا، بمعنًى واحدٍ، وذلك إذا جفا وغلُظ وصلُب. يُقالُ منه: قسا قلبُه يَقسُو قَسْوًا وقَسوةً وقَساوةً وقَساءً.

ويعنى بقولِه: ﴿مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ﴾: مِن بعدِ أن أحيا المقتولَ لهم الذى ادَّارءوا في قتْلِه، فأخبرَهم بقاتلِه، وما السببُ الذى مِن أجْلِه قتَله. كما قد وصَفْنا قبلُ على ما جاءت به (٣) الآثارُ والأخبارُ، وفصَل اللهُ تعالى ذكرُه بخبرِه بين المُحِقِّ منهم والمُبْطِلِ. وكانت قساوةُ قلوبِهم التى وصَفهم اللهُ بها أنهم -فيما بلَغَنا- أنكَروا أن يَكُونوا هم قتَلوا القتيلَ الذى أحياه اللهُ، فأخبَر بني إسرائيلَ بأنهم كانوا قَتَلَتَه بعدَ إخبارِه إيّاهم بذلك، وبعدَ مِيتَتِه الثانيةِ.

كما حدثنى محمدُ بنُ سعدٍ، قال: حدثنى أبى، قال: حدثنى عمِّى، قال: حدثنى أبى، عن أبيه، عن ابنِ عباسٍ، قال: لمَّا ضُرِب المقتولُ ببعضِها -يعنى ببعضِ البقرةِ- جلَس حيًّا (٤)، فقِيل له: مَن قتَلك؟ فقال: بنو أخى قتَلونى. ثم قُبِض، فقال بنو أخيه حينَ قُبِض: واللهِ ما قتَلْناه. فكذَّبوا بالحقِّ بعدَ إذ رأَوْه، فقال اللهُ: ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ﴾: يعنى بني أخى الشيخِ، ﴿فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً﴾ (٥).


(١) مجاز القرآن ١/ ١٥٨.
(٢) في النسخ: "لدنى". والمثبت من مجاز القرآن، واللدة: التِّرب، وهو الذى يولد معك في وقت واحد. التاج (و ل د).
(٣) سقط من: م، ت ٢.
(٤) بعده في ت ١، ت ٢، ت ٣: "ما كان قط".
(٥) ذكره ابن كثير في تفسيره ١/ ١٦٢ عن عطية العوفى به.