للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.

حدَّثني محمدُ بنُ سنانٍ القزَّازُ، قال: ثنا عبدُ الصمدِ، قال: ثنا يزيدُ بنُ دِرْهمٍ، قال: سمِعتُ أنسَ بنَ مالكٍ يقولُ في قولِ اللهِ جلَّ وعزَّ: ﴿وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا﴾. قال: وادٍ في جَهَنَّمَ من قَيْحٍ ودمٍ (١).

وأولى الأقوالِ في ذلك بالصوابِ، القولُ الذي ذكَرْناه عن ابنِ عباسٍ، ومَن وافَقه في تأويلِ الْمَوْبِقِ: أنه المَهْلِكُ، وذلك أنَّ العربَ تقول في كلامِها: قد أَوْبَقتُ فلانًا. إذا أهْلَكْتَه. ومنه قولُ الله ﷿: ﴿أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا﴾ [الشورى: ٣٤]. بمعنى: يُهلِكْهنَّ. ويُقالُ للمُهلِكِ نفسَه: قد وَبِق فلانٌ فهو يَوبَقُ وبَقًا. ولغةُ بني (٢) عامرٍ: يابِقُ، بغيرِ همزٍ. وحُكِى عن تميمٍ أنها تقولُ: ييبِقُ. وقد حُكى وبَقَ يَبِقُ وبُوقًا، حكاها الكسائيُّ. وكان بعضُ أهلِ العلمِ بكلامِ العربِ مِن أهلِ البصرةِ يقولُ: المَوبِقُ المَوْعِدُ، وَيَستشهِدُ لقِيلِه ذلك بقولِ الشاعرِ (٣):

وحادَ شَرَوْرَى فالسِّتارَ فلمْ يَدَعْ … تِعارًا له و (٤) الوَاديَيْنِ بمَوْبِقِ

ويتأوّلُه: بمَوْعِدٍ. وجائزٌ أن يكونَ ذلك المَهْلِكُ الذى جعَل جَلَّ ثناؤُه بينَ هؤلاءِ المشركين، هو الوادى الذي ذُكِر عن عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو. وجائزٌ أن تكونَ العداوةُ التي قالَها الحسنُ.


(١) أخرجه أحمد في الزهد ص ٣١١، ٣١٢، والبيهقى في البعث والنشور (٥٢٠) من طريق عبد الصمد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٤/ ٢٢٨ إلى ابن أبي حاتم.
(٢) في ص، ت ٢: "لبني".
(٣) البيت الخفاف بن ندبة، وهو في ديوانه "المجموع" ص ٣٨. وليس فيه الشاهد، وفي مجاز القرآن ص ٤٠٦، ولسان العرب (و ب ق)، بلفظه.
(٤) في ص، ت ١، ت ٢، ف: "في".