للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال أبو جعفرٍ: يعنى بذلك جلَّ ثناؤُه: وإن مِن الحجارةِ لَمَا (١) يَهْبِطُ -أى: يَتَرَدَّى- مِن رأسِ الجبلِ إلى الأرضِ والسَّفْحِ مِن خوفِ اللهِ وخشيتِه. وقد دلَّلْنا على معنى الهبوطِ فيما مضَى بما أغنَى عن إعادتِه في هذا الموضعِ (٢).

وأُدْخِلَتْ هذه اللَّاماتُ اللواتى في "ما" توكيدًا للخَبرِ.

وإنما وصَف اللهُ تعالى ذكرُه الحجارةَ بما وصفَها به -مِن أن منها (٣) المتفجِّرَ منه (٤) الأنهارُ، وأن منها المتشقِّقَ بالماءِ، وأن منها الهابطَ مِن خشيةِ اللهِ، بعدَ الذى جعَل منها لقلوبِ الذين أَخبَر عن قسوةِ قلوبهم مِن بنى إسرائيل مَثَلًا- معذرةً منه جلَّ ثناؤه لها دونَ الذين أخبَر عن قسوةِ قلوبهم من بنى إسرائيل؛ إذ كانوا بالصفةِ التى وصفَهم اللهُ بها من التكذيبِ برُسُلِه والجُحودِ لآياتِه بعد الذى أراهم من الآياتِ والعِبَرِ، وعايَنوا مِن عجائبِ الأدلةِ والحُجَجِ، مع ما أعطاهم تعالى ذكرُه مِن صحةِ العقولِ، ومَنَّ به عليهم من سلامةِ النفوسِ التى لم يُعْطِها الحَجَرَ والمَدَرَ، ثم هو مع ذلك منه ما يَتفجَّرُ بالأنهارِ، ومنه ما يتَشَقَّقُ بالماءِ، ومنه ما يَهبِطُ مِن خشيةِ اللهِ، فأخبَر تعالى ذِكْرُه أن مِن الحجارةِ ما هو أَلْيَنُ من قلوبِهم لِمَا (٥) يُدْعَوْن إليه مِن الحقِّ. كما حدَّثنا ابنُ حُمَيْدٍ، قال: ثنا سلَمةُ، عن ابنِ إسحاقَ (٦).

وبنحوِ الذى قلنا في تأويلِ ذلك قال أهلُ التأويلِ.


(١) في ت ١، ت ٢، ت ٣: الحجارة".
(٢) ينظر ما تقدم في ١/ ٥٧١.
(٣) سقط من: ت ١، ت ٢، ت ٣.
(٤) في ت ١، ت ٢، ت ٣: "منها".
(٥) في ت ١، ت ٢، ت ٣: "عما".
(٦) سيرة ابن هشام ١/ ٥٣٦، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ١/ ٨١ إلى المصنف وابن إسحاق وابن أبى حاتم. وهو عند ابن أبى حاتم ١/ ١٤٧ (٧٦٥) من طريق سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن أبى محمد، عن عكرمة، أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس. وينظر تفسير ابن كثير ١/ ١٦٢.