للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنا حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ أنه قال فيها: كلُّ حجرٍ انفجَر منه ماءٌ، أو تشقَّقَ عن ماءٍ، أو تردَّى من جبلٍ، فمن خشيةِ الله، نزَل به القرآنُ.

ثم اختَلف أهلُ النحوِ في معنى هُبُوطِ ما هبَط مِن الحجارةِ مِن خَشيةِ اللهِ.

فقال بعضُهم: إن هبوطَ ما هبَط منها من خشيةِ اللهِ: تَفَيُّؤُ ظلالِه (١).

وقال آخَرون: ذلك الجبلُ الذى صار دكًّا إذ تجلَّى له ربُّه (٢).

وقال بعضُهم: ذلك كان منه، ويكونُ بأن اللهَ جلَّ ذكرُه أعطَى بعضَ الحجارةِ المعرِفةَ والفَهمَ، فعقَل طاعةَ اللهِ فأطاعه، كالذى رُوِى عن الجِذْعِ الذى كان يَسْتَنِدُ إليه رسولُ الله إذا خطَب، فلمَّا تحوَّل عنه حَنَّ (٣). وكالذى رُوِى عن النبيِّ أنه قال: "إنَّ حَجَرًا كانَ يُسَلِّمُ عَلَىَّ في الجاهلِيَّةِ، إنِّى لَأَعْرِفُهُ الآنَ" (٤).

وقال آخَرون: بل قولُه: ﴿يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ﴾. كقولِه: ﴿جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ﴾ [الكهف: ٧٧]. ولا إرادةَ له. قالوا: وإنما أُرِيدَ بذلك أنه مِن عِظَمِ أمْرِ اللهِ يُرَى كأنه هابطٌ خاشِعٌ مِن ذُلِّ خشيةِ اللهِ، كما قال زيدُ الخَيْلِ (٥):

بِجَمْعٍ تضِلُّ البُلْقُ في حَجَرَاتِهِ … ترَىَ الأُكْمَ فِيها سُجَّدًا للحَوَافِرِ


(١) يشير إلى الآية ٤٨ من سورة النحل ٤٨.
(٢) يعنى الآية ١٤٣ من سورة الأعراف.
(٣) أخرجه أحمد ٢٢/ ١١٧، ١٨٧ (١٤٢٠٦، ١٤٢٨٢)، والبخارى (٣٥٨٤) من حديث جابر. وينظر البداية والنهاية ٨/ ٦٧٩.
(٤) أخرجه الطيالسى (٨١٨)، وأحمد ٥/ ٨٩ (الميمنية)، ومسلم (٢٢٧٧) من حديث جابر بن سمرة. وينظر البداية والنهاية ٨/ ٦٩٤.
(٥) تقدم البيت في ١/ ٧١٥.