للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

علمِه (١)، عسى أن يُصِيبَ كلمةً تهديه إلى هُدًى، أو تَرُدُّه عن رَدًى. قال: ربِّ، فهل في الأرضِ أحدٌ (٢)؟ قال: نعم. قال: ربِّ، فمَن هو؟ قال: الخَضِرُ. قال: وأين أطلُبُه؟ قال: على الساحلِ عندَ الصخرةِ التى يَنْفَلِتُ عندَها الحوتُ. قال: فخرَج موسى يطلُبُه، حتى كان ما ذكَر اللهُ، وانتهَى موسى إليه عندَ الصخرةِ، فسلَّم كلُّ واحدٍ منهما على صاحبِه، فقال له موسى: إنى أُرِيدُ أن تَستصحِبَني. قال: إنك لن تُطِيقَ صُحبَتى. قال: بلى. قال: فإن صحِبتَى ﴿فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (٧٠) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (٧١) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (٧٢) قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (٧٣) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (٧٤)﴾ إلى قولِه: ﴿لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا﴾. قال: فكان قولُ موسى في الجدارِ لنفسِه، ولطلبِ شيءٍ من الدنيا، وكان قولُه في السفينةِ وفي الغلامِ للَّهِ، ﴿قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا﴾. فَأَخْبَره بما قال اللهُ: ﴿أَمَّا السَّفِينَةُ﴾، ﴿وَأَمَّا الْغُلَامُ﴾، ﴿وَأَمَّا الْجِدَارُ﴾. قال: فسار به في البحرِ حتى انتهَى إلى مجمعِ البحورِ، وليس في الأرضِ مكانٌ أكثرُ ماءً منه. قال: وبعَث ربُّكَ الخُطَّافَ (٣) فجعَل يستقِى منه بمِنقارِه. فقال لموسى: كم ترَى هذا الخطافَ رَزَأَ (٤) من هذا الماءِ؟ قال: ما أقلَّ ما رَزَأ. قال: يا موسى، فإن علمى وعلمَك في علمِ اللهِ كقدْرِ ما استقَى هذا الخطافُ من هذا الماءِ. وكان موسى قد حدَّث نفسَه أنه ليس أحدٌ أعلمَ منه، أو تكلَّم به، فمِن ثَمَّ أُمِرَ أَن يَأْتِيَ


(١) في ص، م، ت ١، ف: "علم نفسه".
(٢) في م: "أحدا"، وبعده في التاريخ: "قال أبو جعفر أظنه قال: أعلم منى".
(٣) الخطاف: طائر أسود، وهو العصفور الذي تدعوه العامة. عصفور الجنة. التاج (خ ط ف).
(٤) رزأ: أصاب. التاج (رزأ).