للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحروفَ إلى معنى العلمِ بالشيءِ الذي يُدْرَكُ من غيرِ جهةِ الحِسِّ والعِيانِ. وقد بيَّنا ذلك بشواهدِه في غيرِ هذا الموضعِ بما أغنى عن إعادتِه (١).

وكان بعضُ أهلِ العربيةِ من أهلِ البَصْرةِ يقولُ: معنى قولِه: ﴿فَخَشِينَا﴾ في هذا الموضعِ: كَرِهنا؛ لأن اللهَ لا يَخْشَى. قال: وهو في بعضِ القراءاتِ: (فَخَافَ رَبُّكَ). قال: وهو مثلُ: خِفْتُ الرجلين أن يَعُولا (٢). وهو لا يخافُ من ذلك أكثرَ من أنه يَكْرَهُه لهما.

وقولُه: ﴿فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا﴾. اختَلَفت القَرَأَةُ في قراءةِ ذلك؛ فقرأه جماعةٌ من قَرَأَةِ المَكِّيين والمَدَنيين والبَصْريين: (فأرَدَنا أَنْ يُبَدِّلَهُمَا رَبُّهُما) (٣). وكان بعضُهم يَعْتَلُّ لصحة ذلك بأنه وجد ذلك مشدَّدًا فى عامَّةِ القرآنِ؛ كقولِ اللهِ ﷿: ﴿فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ [البقرة: ٥٩]، وقولِه: ﴿وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ﴾ [النحل: ١٠١]، فأَلْحَق قوله: (فأردنا أنْ يُبَدِّلَهُما بِهِ). وقرَأ ذلك عامَّةُ قَرَأَةِ الكُوفَةِ: ﴿فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا﴾ بتخفيف الدالِ (٤). وكان بعضُ مَن قرَأ ذلك كذلك مِن أهلِ العربيةِ يقولُ: أَبْدَل يُبْدِلُ بالتخفيفِ، وبَدَّل يُبَدِّلُ بالتشديدِ بمعنًى واحدٍ.

والصوابُ من القولِ فى ذلك عندى أنهما قراءتان متقارِبَتا المعنى، قد قرَأ بكلِّ واحدةٍ منهما جماعةٌ من القَرَأةِ، فبأيتِهما قرَأ القارئُ فمصيبٌ.

وقيل: إِن اللهَ ﷿ أَبْدَل أَبَوَيِ الغلامِ الذي قتَله صاحبُ موسى منه بجاريةٍ.


(١) تقدم في ٤/ ١٣٥.
(٢) في الأصل، ص، م، ت ١، ت ٢، ف: "يقولا".
(٣) وهى قراءة نافع وأبى عمرو. الكشف ٢/ ٧٢، وحجة القراءات ص ٤٢٧.
(٤) وهى قراءة باقى السبعة. المصدرين السابقين.