للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإذا أخطَأهم هَزَلوا وأجدَبوا، وجَفَرتِ الذُّكورُ، وحَالتِ الإِناثُ (١)، وتبَيَّنَ أَثرُ ذلك عليهم، وهم يَتداعَون تَداعِىَ الحَمامِ، ويَعوُون عُوَاءَ الكلابِ (٢)، ويَتَسافَدون حيث التَقَوْا تَسَافُدَ البهائمِ. ثم لما عايَنَ ذلك منهم ذو القرنين انصَرَف إلى ما بينَ الصَّدَفَين، فقاس ما بينهما وهو في مُنقطَعِ أرضِ التُّركِ ممَّا يَلى مَشرِقَ الشمسِ، فوجَد بُعدَ ما بينَهما مائةَ فَرسَخٍ، فلمَّا أنشَأ في عمَلهِ، حفَر له أُسًّا حتى بلَغَ الماءَ، ثم جعَل عَرضَه خمسين فَرسخًا، وجعَل حَشوَه الصخورَ، وطينَه النُّحاسَ، يُذَابُ ثم يُصبُّ عليه، فصار كأَنَّه عِرقٌ مِن جبلٍ تحتَ الأرضِ، ثم عَلَاهِ وشَرَّفَه بِزُبَرِ الحديدِ والنَّحاسِ المُذابِ، وجعَل خلالَه عِرقًا مِن نُحاسٍ أصفَرَ، فصار كأَنَّه بُردٌ مُحَبَّرٌ؛ مِن صُفرَةِ النُّحاسِ وحُمرَتِه وسَوادِ الحديدِ، فلمَّا فَرَغ منه وأحكَمَه، انطلَق عامِدًا إلى جماعةِ الإنسِ والجنِّ، فبينَا هو يسيرُ، دفَع إلى أُمَّةٍ صالحةٍ يَهدُون بالحقِّ وبه يَعدلون، فوجَد أمَّةً مُقسِطَةً مُقتَصِدَةً، يقسِمُون (٣) بالسَّويَّةِ، ويَحكُمون بالعَدلِ، ويتآسَون ويَتَراحَمُون، حالُهم واحدةٌ، وكلِمَتُهم واحدةٌ، وأخلاقُهم مُشتَبهَةٌ، وطرِيقَتُهم مُستَقِيمةٌ، وقلوبُهم مُتآلِفَةٌ، وسيرتُهم مستويةٌ (٤)، وقبورُهم بأبوابِ بُيوتِهم، وليس على بُيوتِهم أبوابُ، وليس عليهم أمراءُ، وليس بينَهم قُضَاةٌ، ولا بينَهم أغنياءُ ولا ملوكُ ولا أشرافٌ، ولا يَتَفاوتُون ولا يتَفاضَلون، ولا يَختلِفون ولا يَتَنازَعُون، ولا يَستَبُّون ولا يَقتَتِلون، ولا يَقحَطون ولا يُجرَدون (٥)، ولا تُصِيبُهم الآفاتُ


(١) أجفر الرجل وجَفَر وجَفَّر واجْتَفَر: إذا انقطع عن الجِماع. وحالت المرأة: إذا لم تَحْمِل. ينظر اللسان (ج ف ر)، (ح و ل).
(٢) في الأصل، ت ٢: "الذئاب".
(٣) في الأصل، ص، ت ٢، ف: "يقتسمون".
(٤) سقط من: ت ٢. وفى ص، م، ت ١، ف: "حسنة".
(٥) جُرِدت الأرضُ فهى مجرودة: إذا أكل الجراد نبتها. تاج العروس (ج ر د).