للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بكُمَّيْها (١)، فنفخ في جيبِ دِرعِها، وكان مَشقوقًا من قُدَّامِها، فدخَلتِ النفخة صدرها، فحمَلتْ، فأتتها أختها امرأةُ زكريا ليلةً تزورُها، فلما فتحتْ لها الباب التزَمتْها، فقالت امرأة زكريا: يا مريمُ أُشْعِرتُ أنِّى حُبْلَى. قالتْ مريمُ: أُشْعِرتُ أنِّى أيضًا حُبْلَى. قالت امرأةُ زكريا: فإنِّي وجدتُ ما في بطنى يَسْجُدُ لما في بطنِك. فذلك قوله: ﴿مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ﴾ (٢) [آل عمران: ٣٩].

حدَّثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: قال ابن جريجٍ: يقولون: إنه إنما نفَخ في جيب درعِها [وكمِّها] (٣).

وقوله: ﴿فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا﴾. يقولُ: فاعتزلت بالذي حمَلتْه، وهو عيسى، وتنحَّتْ به عن النَّاسِ، ﴿مَكَانًا قَصِيًّا﴾. يقولُ: مكانا نائيًا قاصِيًا عن الناس. يقالُ: هو بمكانٍ قاصٍ، وقَصِيٍّ. بمعنًى واحدٍ، كما قال الراجزُ (٤):

لتَقْعُدِنَّ مَقْعَدَ القصِيِّ

مِنِّىَ ذى القاذُورة المقليِّ

يُقال منه: قصَا المكان يقْصُو قُصُوًّا. إذا تباعد، و: أقصيتُ الشيءَ. إذا أبعدته وأخَّرتَه.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.


(١) في ف، ومصادر التخريج عدا تاريخ المصنف: "بكمها".
(٢) تقدم أوله في ص ٤٨٣.
(٣) سقط من: ت ٢. وينظر تفسير القرطبي ٤/ ٩٢.
(٤) هو رؤبة بن العجاج، ديوانه (مجموع أشعار العرب) ص ١٨٨.