للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿نَبِيًّا﴾ يقولُ: كان اللهُ قد نبَّأه وأوحَى إليه.

وقولُه: ﴿إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ﴾. يقولُ: اذكرْه حينَ قال لأبيه: ﴿يَاأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ﴾. يقولُ: ما تصنعُ بعبادةِ الوَثَنِ الذى ﴿لَا يَسْمَعُ﴾ صوتًا (١)، ﴿وَلَا يُبْصِرُ﴾ شيئًا، ﴿وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا﴾. يقولُ: ولا يدفعُ عنك ضُرَّ شيءٍ، إنما هو صورةٌ مصوَّرةٌ لا تضرُّ ولا تنفعُ. يقولُ: ما تصنعُ بعبادةِ ما هذه صفتُه، اعبدِ الذي إذا دعوتَه سمِع دعاءَك، وإذا أُحيط بك أبصَرك فنصَرك، وإذا نزَل بك ضرٌّ دفَع عنك.

واختلَف أهلُ العربيةِ فى وجهِ دخولِ الهاءِ فى قوله: ﴿يَاأَبَتِ﴾. فكان بعضُ نحويِّى أهلِ البصرةِ يقولُ: إذا وقفتَ عليها قلتَ: يا أَبَه، وهى هاءٌ زيدت نحوَ قولِك: يا أمَّهْ. ثم يقالُ: يا أمَّ. إذا وصَل، ولكنه لما كان الأبُ على حرفين، كان كأنَّه قد أُخِلَّ به، فصارت الهاءُ لازمةً، وصارت الياءُ كأنَّها بعدَها، فلذلك قالوا: يا أبتِ أقبِلْ، وجَعل التاءَ للتأنيثِ. ويجوزُ الترخيمُ من يا أبُ أقبِلْ؛ لأنَّه يجوزُ أن تدعوَ ما تُضيفه إلى نفسِك فى المعنى مضمومًا، نحوُ قولِ العربِ: يا ربُّ، اغفِر لى، وتقِفُ فى القرآنِ: يا أبتْ، [في الكتابِ] (٢). وقد يقفُ بعضُ العربِ على الهاءِ بالتاءِ.

وقال بعضُ نحويِّى الكوفةِ: الهاءُ مع "أبةِ" و "أُمَّةِ" هاءُ وقفٍ، كثُرت في كلامِهم حتى صارت كهاءِ التأنيثِ، وأدخلُوا عليها الإضافةَ، فمَن طلَب الإضافةَ، فهى بالتاءِ لا غيرُ؛ لأنَّك تطلُب بعدها الياءَ، ولا تكونُ الهاءُ حينئذٍ إلا تاءً، كقولك: يا أبتِ. لا غيرُ، ومن قال: يا أبَةُ. فهو الذي يقِفُ بالهاءِ؛ لأنَّه لا


(١) سقط من: ص، ت ١، ف، م.
(٢) كذا في النسخ. وفي الصحاح واللسان: "اتباعًا للكتاب". والمعنى اتباعًا لرسم المصحف.