للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يعني المنظرَ الحسنَ.

واختلَفت القرأةُ في قراءةِ ذلك؛ فقرَأته عامةُ قرأةِ أهلِ المدينةِ: (وَرِيًّا) (١). غيرَ مهموزٍ، وذلك إذا قُرِئ كذلك يتوجِّه لوجهين؛ أحدُهما أن يكونَ قارتُه أراد الهمزةَ، فأبدَل منها ياءً، فاجتمَعَتِ الياءُ المُبدلةُ من الهمزِ والياءُ التي هي لامُ الفعلِ فأُدغِمتا فجُعِلتا ياءً واحدةً مشددةً؛ ليُلْحِقُوا ذلك - إذ كان رأسَ آيةٍ - بنظائِره من سائرِ رءوسِ الآياتِ قبلَه وبعدَه. والآخرُ أن يكونَ مِن: رَوَّيْتُ أُرَوِّي رَوِيَّةً ورِيًّا. وإذا أُريدَ به ذلك كان معنى الكلامِ: وكم أهلَكنا قبلَهم مِن قرنٍ، هم أحسنُ متاعًا، وأحسنُ نظرًا لمالِه، ومعرفةً بتدبيره (٢). وذلك أن العربَ تقولُ: ما أحسنَ رَوِيَّةَ فلانٍ في هذا الأمرِ. إذا كان حسنَ النظرِ فيه والمعرفةِ به. وقرَأ ذلك عامةُ قرأةِ العراقِ والكوفةِ والبصرةِ: ﴿وَرِئْيًا﴾ (٣). بهمزِها، بمعنى رؤيةِ العينِ، كأنه أراد: أحسنُ متاعًا ومَرآةً. وحُكِى عن بعضِهم أنه قرَأه: (أحسنُ أثاثًا وزِيًّا) (٤). بالزايِ، كأنه أراد: أحسنُ متاعًا وهيئةً ومنظرًا. وذلك أن الزِّيَّ هو الهيئةُ والمنظرُ، من قولِهم: زيَّيتُ الجاريةَ. بمعنى: زيَّنتُها وهيَّأتُها.

وأولى القراءاتِ في ذلك بالصوابِ قراءةُ مَن قرَأه: ﴿أَثَاثًا وَرِئْيًا﴾ (٥). بالراءِ والهمزِ؛ لإجماعِ الحجةِ من أهلَ التأويلِ على أن معناه المنظرُ، وذلك هو من رؤيةِ العينِ، لا من الرَّوِيَّةِ؛ فلذلك كان الهمزُ به أولى، فإن قرَأ قارىُ ذلك بتركِ الهمزِ وهو


(١) هي قراءة قالون عن نافع وابن ذكوان عن ابن عامر. التيسير ص ١٢١.
(٢) في ص، م، ت ١، ف: "لتدبيره".
(٣) هي قراءة غير قالون وابن ذكوان. المصدر السابق.
(٤) هي قراءة ابن عباس وسعيد بن جبير، ويزيد البربرى وأبى بن كعب والأعسم المكي، وزياد، وهي قراءة شاذة. ينظر البحر المحيط ٦/ ٢١١، وتفسير القرطبي ١١/ ١٤٣.
(٥) القراءتان (رِئيا) و (رِيًّا) كلتاهما متواترتان.