للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا (٧٦)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: ويزيدُ اللهُ مَن سَلَك قصدَ المحجَّةِ، واهتدى لسبيلِ الرشدِ، فآمَن بربِّه، وصدَّق بآياتِه، فعمِلَ بما أمرَه اللهُ به، وانتهى عما نهاه عنه ﴿هُدًى﴾ بما يتجدَّدُ له من الإيمانِ بالفرائضِ التي يَفْرِضُها عليه، [والأعمالِ التي يُوجبها عليه، فيُصدِّقُ بوجوبِها عليه] (١)، ويُقرُّ بلزومِ فرضِها إياه، ويعملُ بها، فذلك زيادةٌ من اللهِ تعالى ذكرُه في اهتدائِه بآياتِه هدًى على هداه. وذلك نظيرُ قولِه: ﴿وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾ [التوبة: ١٢٤]. وقد كان بعضُهم يتأوَّلُ ذلك: ويزيدُ اللهُ الذين اهتدَوا هدًى بناسخِ القرآنِ ومنسوخِه، فيؤمنُ بالناسخِ، كما آمَن قبلُ بالمنسوخ، فذلك زيادةُ هدىً من اللهِ له على هُداه من قبلُ.

﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا﴾ يقولُ تعالى ذكرُه: والأعمالُ التي أمَر الله بها عبادَه ورضِيها منهم، الباقياتُ لهم غيرُ الفانياتِ الصالحاتُ، خيرٌ عندَ ربِّك جزاءً لأهلِها، وخَيْرٌ مَرَدًّا عليهم من مقاماتِ هؤلاءِ المشركين باللهِ، وأندِيتِهم التي يَفْتَخِرون بها على أهلِ الإيمانِ في الدنيا.

وقد بيَّنا معنى الباقياتِ الصالحاتِ، وذكَرنا اختلافَ المختلِفين في ذلك، ودلَّلْنا على الصوابِ من القول فيه فيما مضَى بما أغنَى عن إعادتِه في هذا الموضع (٢).

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبَرنا عمرُ (٣) بنُ راشدٍ، عن يحيى بن أبى كثيرٍ، عن أبي سلمةَ بن عبدِ الرحمنِ بن عوفٍ، قال: جلَس


(١) سقط من: ص، م، ت ١، ف.
(٢) تقدم في ص ٢٧٤ وما بعدها.
(٣) في الأصل: "عمرو"، وفى تفسير عبد الرزاق: "عمير" ينظر تهذيب الكمال ٢١/ ٣٤٠.