للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السرِّ؛ لأن ذلك هو الظاهرُ مِن الكلامِ، ولو كان معنَى ذلك على (١) ما تأوَّله ابن زِيدٍ لكان الكلامُ: وأخفَى اللهُ سرَّه؛ لأن "أخفَى" فِعلٌ واقِعٌ مُتعدٍّ، إذا كان بمعنَى "فعَل" على ما تأوَّله ابن زيدٍ، وفى انفرادِ "أخفَى" مِن مفعولِه والذي يَعمَلُ فيه لو كان بمعنَى "فعَل" - الدليلُ الواضحُ على أنه بمعنى "أفعَلَ"، وأن تأويلِ الكلامِ: فإنه يَعْلَمُ السرَّ وأخفَى مِنه. فإذ كان ذلك تأويلَه، فالصوابُ مِن القولِ في معنَى أخفَى مِن السرِّ أن يُقالَ: هو ما علِم اللهُ ما خَفِيَ (٢) عن العبادِ ولم يعلَموه مما هو كائنٌ ولما يكُنْ؛ لأن ما ظهَر وكان، فغيرُ سِرٍّ، وأن ما لم يكنْ وهو غيرُ كائنٍ، فلا شيءَ، وأن ما لم يَكُنْ وهو كائنٌ، فهو أخْفى مِن السِّرِّ، لأن ذلك لا يعلَمُه إلا اللهُ، ثم مَن أَعلَمه ذلك مِن عبادِه.

وأما قولُه تعالى ذكرُه: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾. فإنه يعنِى بذلك: المعبودُ الذي لا تَصْلُحُ العبادةُ إلَّا ﴿اللَّهُ﴾ (٣). يقولُ: فإيَّاه فاعبدُوا أَيُّها النَّاسُ دونَ ما سِواه مِن الآلهةِ والأوثانِ، ﴿لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾. يقولُ جلَّ ثناؤُه: لمعبودِكم أيُّها الناسُ الأسماءُ الحسْنَى. فقال تعالى ذكرُه: ﴿الْحُسْنَى﴾. فوحَّد، وهو نعتٌ لـ"الأسماءِ"، ولم يَقُلْ: الأحاسنُ. لأن الأسماءَ تَقَعُ عليها "هذه"، فيُقالُ: هذه أسماءٌ. و "هذه" في لفظِ (٤) واحدَةٍ (٥). ومنه قولُ الأعشَى (٦):

وسوف يُعْقِبُنِيهِ إِنْ ظَفِرْتُ بِه … ربٌّ غفورٌ وبيضٌ ذاتُ أطهارِ

فوحَّد "ذات" وهى (٧) نعتٌ لـ "البيضِ"؛ لأنه يَقَعُ عليها "هذه"، كما


(١) سقط من: م، ت ١، ف.
(٢) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣، ف: "أخفى".
(٣) سقط من: م.
(٤) في م: "لفظة".
(٥) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣: "واحد".
(٦) ديوانه ص ١٨١.
(٧) في م: "هو".