للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إذا ذكَرَها، قال اللهُ ﷿: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾. وكان الزهريُّ يقرَؤُها: (أقمِ الصَّلاةَ لِذِكْرَى) (١). قال أبو جعفر: "ذِكْرَى" بمنزلةِ "فِعْلَى".

وأولى التأويلين في ذلك بالصوابِ تأويلُ مَن قال: معناه: أقمِ الصلاةَ لِتَذْكُرَنى فيها؛ لأن ذلك أظهَرُ معْنَيَيْه، ولو كان معناه: حينَ (٢) تَذْكُرُها. لكان التنزيلُ: أقم الصلاةَ لِذِكْرِكَهَا. وفى قولِه ﴿لِذِكْرِي﴾ دلالةٌ بينةٌ على صحَّةِ ما قال مجاهدٌ في تأويلِ ذلك، ولو كانت القراءةُ التي ذكَرْناها عن الزهريِّ قراءةً مُسْتفيضَةً في قرَأةِ الأمصارِ، كان صحيحًا تأويلُ من تأوَّلَه بمعنى: أقمِ الصلاةَ حينَ تذكُرُها. وذلك أن الزهريَّ وجَّه بقراءتِه: (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرَى) بالألفِ لا بالإضافةِ، إلى: أقمِ الصلاةَ لذِكْرَاها. إلا أنّ الهاءَ والألفَ حُذِفَتا وهما مُرَادتان في الكلام؛ ليُوفَّقَ بينَها وبينَ سائرِ رءوسِ الآياتِ؛ إذ كانت بالألفِ والفتحِ.

ولو قال قائلٌ في قراءةِ الزهريِّ هذه التي ذكَرْناها عنه: إنما قصَد الزهريُّ بفَتْحِها وتَصْييرِ باءِ الإضافة ألفًا، التوفيقَ بينَه وبينَ رءوسِ الآياتِ قبلَه وبعدَه، لا أنه خالَف بقراءتِه ذلك كذلك مَن قرَأ بالإضافةِ. وقال: إنما ذلك كقولِ الشاعرِ (٣):

أُطَوِّفُ ما أُطَوِّفُ ثُمَّ آوِى … إلى أُمَّا ويُرْوينِي النَّقِيعُ (٤)

وهو يريدُ: إلى أُمِّى. وكقولِ العربِ: بأبا وأمَّا. وهى تريدُ: بأبي وأمِّي -


(١) أخرجه مسلم (٦٨٠/ ٣٠٩)، وأبو داود (٤٣٥)، والنسائى (٦١٨)، وابن ماجه (٦٩٧)، وأبو عوانة ٢/ ٢٥٣، وابن حبان (٢٠٦٩)، والبيهقى ٢/ ٢١٧، وفي الدلائل ٤/ ٢٧٢ من طريق ابن وهب، عن يونس، عن الزهرى به، وأخرجه مالك ص ١٣، ١٤ عن الزهرى، عن سعيد مرسلا، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٤/ ٢٩٣ إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه.
(٢) في الأصل: "حتى".
(٣) البيت في معاني القرآن للفراء ٢/ ١٧٦، واللسان (نقع)، وروايته: إلى أمى ويكفيني النقيع.
(٤) والنقيع: المحض من اللبن يبرد.