للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منهم، فتخافون مُكاثَرتَهم إيَّاكم، ولن يَقِلُّوا بمن تقتُلون. فأَجْمَعوا أمرَهم على ذلك، فحمَلت أمُّ موسى بهارونَ في العامِ المقبلِ الذي لا يُذْبَحُ فيه الغِلمانُ، فولَدته علانيةً آمنةً، حتى إذا كان العامُ المقبلُ حملت بموسى (١)، فوقَع في قلبِها الهمُّ والحزْنُ، وذلك من الفتونِ يا بنَ جبيرٍ؛ مما دخَل عليه في بطنِ أمِّه مما يرادُ به، فأَوْحَى اللهُ إليها ﴿وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ [القصص: ٧]. وأمَرها إذا ولَدته أن تجعَلَه في تابوتٍ، ثم تُلْقِيه في اليمِّ، فلما ولَدته فعلت ما أُمِرت به، حتى إذا تَوارَى عنها ابنُها أَتاها إبليسُ، فقالت في نفسِها: ما صنَعْتُ بابني، لو ذُبِح عندى فوارَيْتُه وكفَّنْتُه كان أحبَّ إليَّ من أن أُلْقِيَه بيدى إلى حيتانِ البحرِ ودوابِّه. فانطلَق به الماءُ حتى أَوْفَى (٢) به عندَ فُرْضَةِ (٣) مُسْتَقَى جوارى آلِ فرعونَ، فرأيْنَه فأَخَذْنَه، فهَمَمْنَ أَن يَفْتَحْنَ البابَ، فقال بعضُهن (٤) لبعضِ: إن في هذا مالًا، وإنا إن فتَحْناه لم تُصَدِّقْنا امرأةُ فرعونَ بما وجَدنا فيه. فحمَلنه كهيئتِه لم يحرِّكْن منه شيئًا، حتى دفَعنه، إليها، فلما فتَحته رأت فيه الغلام، فأُلْقِى عليه منها محبَّةٌ لم يُلْقَ مثلُها (٥) منها على أحدٍ من الناسِ، ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا﴾ [القصص: ١٠]. من ذكرِ (٦) كلِّ شيءٍ إلا من ذكرِ موسى. فلما سمِع الذبَّاحون بأمرِه أقْبَلوا إلى امرأةِ فرعونَ بشِفارِهم يريدون أن يذبَحوه - وذلك من الفتون يا بن جُبَيرٍ - فقالت للذبَّاحين: انصرِفوا عنى. فإن هذا الواحدَ لا يزيدُ في بنى إسرائيلَ، فآتِى فرعونَ فأستوهبُه إياه، فإن وهبَه لى كنتم قد أَحْسَنتُم وأَجمَلتُم، وإن أمَر بذبحِه لم أَلُمْكم. فلما أتَتْ به فرعونَ قالت: ﴿قُرَّتُ عَيْنٍ


(١) في ص، ت ١، ف: "أم موسى".
(٢) في الأصل، ونسخة من تاريخ المصنف: "أرفأ".
(٣) وفرضة النهر: ثلمته التي منها يستقى. لسان العرب (ف ر ض).
(٤) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، ف: "بعضهم".
(٥) في الأصل، ت ٢: "مثله".
(٦) سقط من: ص، م، ت ١، ت ٣، ف.