للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بجَمْرَتين ولُؤلؤتَيْن، فقرِّبْهن إليه، فإن بطَش باللؤلؤتين واجْتَنَب الجمْرتَيْن علِمْتَ أنه يَعْقِلُ، وإن تَناوَل الجمرتين ولم يُرِدِ اللؤلؤتين، فاعْلَمْ أَن أحدًا لا يُؤْثِرُ الجمرتين على اللؤلؤتين وهو يَعْقِلُ. فقرَّب ذلك إليه، فتناول الجمرتين، فنزَعوهما منه مَخافةَ أن تُحْرِقا يدَه، فقالت المرأةُ: أَلا تَرَى! فصرَفه اللهُ عنه بعدَ ما كان (١) قد همَّ به، وكان اللهُ بالغًا فيه أمرَه.

فلما بلغ أَشُدَّه وكان مِن الرجالِ، لم يَكُنْ أَحدٌ مِن آلِ فرعونَ يَخْلُصُ إلى أحدٍ من بني إسرائيلَ معه بظلمٍ ولا سُخْرةٍ، حتى امْتَنعوا كلَّ امتناعٍ، فبينما هو يمشى ذاتَ يومٍ في ناحيةِ المدينةِ، إذ هو برجلين يَقْتَتِلان؛ أحدُهما مِن بنى إسرائيلَ، والآخرُ مِن آلِ فرعونَ، فاسْتَغاثه الإسرائيليُّ على الفِرْعَونيِّ، فغضِب موسى واشْتَدَّ غضبُه؛ لأنه تَناوَله وهو يَعْلَمُ منزلةَ موسى من بني إسرائيلَ، وحفِظَه لهم، ولا يَعْلَمُ الناسُ إلا أنما ذلك مِن قِبَل الرَّضاعة غيرَ (٢) أمِّ موسى، إلا أن يكونَ اللهُ أطْلَعَ موسى موسى من ذلك على ما لم يُطْلِعْ عليه غيرَه، فوكَز موسى الفرعونيَّ فقتَله، وليس يراهما أحدٌ إلا اللهُ والإسرائيليُّ، فقال موسى حينَ قتل الرجلَ: ﴿هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ﴾. ثم قال: ﴿رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [القصص: ١٥، ١٦]. فأصبَح في المدينةِ. خائفًا يَتَرَقَّبُ الأخبارَ، فأُتِى فرعونُ، فقيل له: إن بني إسرائيلَ قد قتَلوا رجلًا من آلِ فرعونَ، فخُذْ لنا بحقِّنا ولا تُرَخِّصْ لهم في ذلك. فقال: ابْغُونى قاتلَه ومَن يَشْهَدُ عليه؛ لأنه لا يَسْتَقِيمُ أَن نَقْضِى بغيرِ بينةٍ ولا ثَبَتٍ. فطلبوا له ذلك، فبينما هم يطوفون لا يَجِدون ثَبَتًا، إذ مرَّ موسى من الغدِ، فرأى ذلك الإسرائيليَّ يُقاتِلُ


(١) سقط من: م، ت ٢.
(٢) في الأصل: "عبر".