للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِهِ خَطِيئَتُهُ (١) فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾. قولَه: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾. فكان معلومًا بذلك أن الَّذين لهم الخلودُ في النارِ مِن أهلِ السيئاتِ، غيرُ الذين لهم الخلودُ في الجَنَّةِ مِن أهلِ الإيمانِ.

فإن ظنَّ ظانٌّ أن الذين لهم الخلودُ في الجَنَّةِ مِن الذين آمنوا هم الذين عَمِلوا الصالحاتِ دونَ الذين عَمِلوا السيئاتِ، فإن في إخْبارِ اللهِ تعالى ذكرُه بأنَّه مُكفِّرٌ -باجتنابِنا كبائرَ ما نُنْهى عنه- سيئاتِنا، ومُدْخِلُنا المُدْخلَ الكريمَ، ما يُنْبِئُ عن صِحَّةِ ما قلنا في تأويلِ قولِه: ﴿بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً﴾. وأن ذلك على خاصٍّ من السيئاتِ دون عامِّها.

فإن قال لنا قائلٌ: فإن اللهَ جلَّ ثناؤُه إنما ضمِن لنا تكفيرَ سيئاتِنا باجتنابِنا كبائرَ ما نُنْهَى عنه، فما الدلالةُ على أن الكبائرَ غيرُ داخلةٍ في قولِه: ﴿بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً﴾؟

قيل: لمَّا صحَّ مِن أن الصغائرَ غيرُ داخلةٍ فيه، وأن المَعْنىَّ بالآيةِ خاصٌّ دونَ عامٍّ، ثبَت وصحَّ أن القضاءَ والحُكْمَ بها غيرُ جائزٍ لأحدٍ على أحدٍ إلَّا على من وَقَفَه (٢) اللهُ عليه بدَلالَةٍ مِن خبرٍ قاطعٍ عُذْرَ مَن بلَغه، وقد ثبَت وصحَّ أن اللهَ جلَّ ثناؤُه قد عنَى بذلك أهلَ الشركِ والكفرِ به بشهادةِ جميع الأمةِ، فوجب بذلك القضاءُ على أن أهلَ الشركِ والكفرِ ممَّن عنَاه اللهُ بالآيةِ، فأمَّا أهل الكبائرِ فإن الأخبارَ القاطعةَ عُذْرَ مَن بلَغتْه قد تظاهرتْ عندَنا بأنهم غيرُ مَعْنيِّينَ بها، ومَنْ أنكر ذلك ممَّن دافَع حُجَّةَ الأخبارِ المُسْتَفِيضةِ والأنباءِ المتَظاهِرةِ، فاللازِمُ له تَرْكُ قَطْعِ الشهادة على أهلِ الكبائرِ بالخُلودِ في النارِ بهذه الآيةِ ونظائرِها التى جاءتْ بعُمومِهِم في الوعيدِ؛ إذ كان تأويلُ القرآنِ غيرَ مُدْرَكٍ إلَّا ببيانِ مَن جعَل اللهُ إليه بيانَ القرآنِ، وكانت الآيةُ فيها تأتى


(١) في الأصل: "خطيئاته". وهى قراءة نافع، وقرأ الباقون بالإفراد. السبعة لابن مجاهد ص ١٦٢.
(٢) فى الأصل: "وقف".