للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حُليٌّ اسْتَعاروه من آل فرعونَ وثيابٌ (١).

وكلُّ هذه الأقوال الثلاثة في ذلك مُتقارِباتُ المعنى؛ لأن من لم يملك نَفْسَه لغَلَبة (٢) هواه على (٣) أمرٍ، فإنَّه لا تمتنعُ اللغةُ أن تقولَ: فعَل فلانٌ هذا الأمرَ وهو لا يملكُ نفسه، وفعَلَه وهو لا يَضْبطُها، وفعَلَه وهو لا يُطيقُ تَرْكَه. فإذا كان ذلك كذلك، فسواءٌ بأيِّ القراءات الثلاثِ قرأ ذلك القارئُ، وذلك أن من كسَر الميمَ مِنَ "المِلْكِ"، فإنما يوجِّهُ معنى الكلام إلى ما أخْلَفْنا موعدَك ونحنُ نملِكُ الوفاءَ بهِ لغَلَبة أنفسنا إيانا على خِلافِه. وجعَله من قولِ القائل: هذا ملكٌ فلانٍ. لما يَمِلكُه مِنَ المملُوكَاتِ، وأنَّ مَن فتَحها، فإنَّما يوجِّهُ معنى الكلام إلى نحو ذلك، غير أنه يجعَلُه مصدرًا من قول القائل: مَلَكتُ الشيءَ أَمْلِكُه مَلْكًا وَمَلَكةً، كما يُقالُ: غلبتُ فلانًا أَغْلِبُه غَلْبًا وغَلَبَةً، وأَنَّ مَن ضمَّها فإنَّه يوجِّه معناه إلى: ما أَخْلَفْنا موعدَك بسُلْطَانِنا وقُدرتنا. أي ونحنُ نقدر أن نمتنع منه؛ لأن كلَّ مَن قَهَر شيئًا فقد صار له السلطانُ عليه، وقد أنكَر بعضُ الناس قراءةَ مَن قرأَه بالضمِّ، فقال: أيُّ مُلكٍ كان يومئذٍ لبنى إسرائيل، وإنما كانوا بمصرَ مُسْتضعَفين؟! فأغْفَلَ معنَى القوم، وذهَب عن (٤) مرادِهم ذهابًا بعيدًا، وقارِئو ذلك بالضمِّ لم يَقْصِدوا المعنى الذي ظَنَّه هذا المُنكِرُ عليهم ذلك، وإنَّما قَصَدوا إلى أن معناه: ما أخْلَفنا موعِدَك بسلطانٍ كانت لنا على أنفْسِنا نَقْدِرُ أن نردَّها عما أتت؛ لأنَّ هوانا غلبنا على إخلافِك الموعدَ.

وقولُه: ﴿وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ﴾. يقولُ: ولكِنَّا حُمِّلْنا أثقالًا وأحمالًا من زينة القومِ (٥). يعنُون مِن حُليِّ آل فرعونَ، وذلك أنَّ بني إسرائيل لما أرادَ


(١) ينظر تفسير القرطبي ١١/ ٢٣٤.
(٢) بعده في ص، ت ١، ف: "نفسه".
(٣) بعده في ص، م، ت ١، ت ٣، ف: "ما".
(٤) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، ف: "غير".
(٥) سقط من: ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، ف.