للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والقولُ في ذلك عندى أنهما قراءتان مشهورتان مُتقاربتا المعنى؛ لأنه لا شكَّ أن الله مُوفٍ وعدَه لخَلْقِه بحَشْرِهم لموقفِ الحسابِ، وأن الخلقَ مُوافوه (١) ذلك اليومَ، فلا الله جلَّ وعزَّ مُخْلِفُهم ذلك، ولا هم مُخْلِفُوه بالتَّخَلُّفِ عنه، فبأيَّتِهما قرأ القارئُ فمُصيبٌ الصوابَ في ذلك.

وقولُه: ﴿وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا﴾. يقولُ: وانظرُ إلى معبودِك الذي ظَلْتَ عليه مُقِيمًا تعبُدُه.

كما حدَّثني عليٌّ، قال: ثنا أبو صالحٍ، قال: ثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ قوله: ﴿ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا﴾. يقولُ: الذي أقمتَ عليه (٢).

وحدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن: أبيه، عن ابن عباسٍ، قال: فقال له موسى: ﴿وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا﴾. يقولُ: الذي أقمتَ عليه.

وللعرب في "ظلْتَ" لغتان؛ الفتحُ في الظاء، وبها قرأ قرأة الأمصار، والكسرُ فيها، وكأن الذين كَسَروا نَقَلوا حركةَ اللام التي هي عينُ الفعل مِن "ظَلِلْتُ" إليها، ومن فَتَحها، أقَرَّ حركتَها التي كانت لها قبلَ أن يُحْذَفَ منها شيءٌ، والعربُ تفعلُ في الحروفِ التي فيها التضعيفُ ذلك، فيقولون في "مَسِسْتُ": مِسْتُ ومَسْتُ. وفى "هَمَمْتُ" بذلك: هَمْتُ به. وهل أحَسْتَ فلانًا وأحْسَسْتَه؟ كما قال الشاعرُ (٣):


(١) في ص: "موافقوه"، وفى م: "موافون"، وفى ت ١: "موقوفون"، وفى ف: "موافتة".
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم - كما في الإتقان ٢/ ٢٨ - من طريق أبي صالح به، وعزاه في الدر المنثور ٤/ ٣٠٧ إلى ابن المنذر.
(٣) هو أبو زبيد الطائى، والبيت في ديوانه (مجموع) ص ٩٦، وفيه: حسسن. ورواية المصنف هي رواية أبي عبيدة في مجاز القرآن ٢/ ٢٨.