للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا﴾. قال: كان بعيدَ البصرِ، قصيرَ النظرِ، أعمى عن الحقِّ.

والصوابُ مِن القولِ في ذلك عندنا أن اللَّهَ جلَّ ثناؤُه عمَّ بالخبرِ عنه بوصفِه نفسَه بالبصرِ، ولم يَخْصُص منه معنًى دون معنًى، فذلك على ما عمَّه، فإذ كان ذلك كذلك، فتأويلُ الكلامِ (١): قال: ربَّ لمَ حشَرْتَنى أَعْمَى عن حُجَجى ورؤيةِ الأشياءِ، وقد كنتُ في الدنيا ذا بصرٍ بذلك كلِّه.

فإن قال قائلٌ: وكيف قال هذا لربِّه: ﴿رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى﴾. مع مُعاينتِه عظيمَ سلطانِه؟ أجَهِلَ في ذلك الموقفِ أن يكونَ اللهِ ﷿ أن يفعلَ به ما شاء؟ أم ما وجهُ ذلك؟

قيل له: إن ذلك منه مسألةٌ لربِّه تعريفَه (٢) الجُرَّمَ الذي اسْتَحَقَّ به ذلك، إذ

كان قد جهِله، وظنَّ أن لا جُرْمَ له اسْتَحَقَّ ذلك به منه، فقال: ربِّ لأيِّ ذنبٍ، ولأيِّ جُرْمٍ حَشَرْتَنى أعمى، وقد كنتُ بصيرًا مِن قبلُ في الدنيا وأنت لا تُعاقِبُ أحدًا إلا بدونِ ما يَسْتَحِقُّ منك مِن العقابِ.

وقوله: ﴿قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: قال اللهُ حينَئذٍ للقائل له: ﴿رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا﴾: فعَلْتُ ذلك بك، فحشَرْتُك أعمى كما أتَتْك آياتي - وهى حُجَجُه وأدلتُه وبيانُه الذي بيَّنه في كتابه - ﴿فَنَسِيتَهَا﴾. يقولُ: فترَكْتُها وأعْرَضْتَ عنها، ولم تُؤْمِنْ بها، ولم تَعْمَلْ.

وعنَى بقوله: ﴿كَذَلِكَ أَتَتْكَ﴾: هكذا أَتتْك.

وقولُه: ﴿وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى﴾. يقولُ: فكما نسيت آياتِنا في الدنيا فترَكْتَها


(١) في ص، م، ت ١، ف: "الآية".
(٢) في م، ت ٢: "يعرفه".