للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فنصَب "الحديدَ" على العطفِ به على موضعِ "الجبالِ"؛ لأنها لو لم تكن فيها باءٌ خافضةٌ كانت نصبًا، فعطَف بـ "الحديدِ" على موضعِ (١) "الجبالِ" لا على لفظِها، فكذلك ما وصَفتُ مِن قولِه: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾.

وأمَّا "الإحسانُ" فمنصوبٌ بفعلٍ مُضْمَرٍ يؤدِّى عن (٢) معناه قولُه: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ (٣). إذ كان مفهومًا معناه، فكأنَّ معنى الكلامِ لو أُظْهِر المحذوفُ: وإذ أخَذْنا ميثاقَ بني إسرائيلَ بأن لا تعبُدوا إلَّا اللهَ، وبأن تُحْسِنوا إلى الوالدينِ إِحْسانًا. فاكْتُفِى بقَولِه: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ من أن يقالَ: وبأن تُحْسِنُوا إلى الوالِدَيْن إحْسَانًا؛ إذ كان مفهومًا أن ذلك معناه بما ظهَر مِن الكلامِ.

وقد زعم بعضُ أهلِ العربيةِ في ذلك أن معناه: وبالوالدين فأحسِنوا إحسانًا. فجعَل الباءَ التى في "الوالِدَين" من صلةِ "الإحسانِ" مقدَّمةً عَليه.

وقال آخَرون: بل معنى ذلك: ألا تعبُدوا إلَّا اللهَ، وأحْسِنوا بالوالدينِ إحسانًا. فزعَموا أن الباءَ التى في "الوالدينِ" مِن صلةِ المحذوفِ، أعنى مِن (٢) "أَحْسِنوا"، فجعَلوا ذلك مِن كلامينِ. وإنما يُصْرَفُ الكلامُ إلى ما ادَّعَوْا مِن ذلك إذا لم يُوجَدْ لاتِّساقِ الكلامِ على كلامٍ واحدٍ وجْهٌ. فأمَّا وللكلامِ وجْهٌ مفهومٌ على اتِّساقٍ (٤) على كلامٍ واحدٍ، فلا وجهَ لصرفِه إلى كلامينِ. وأَحْرَى (٥) أن القولَ فى ذلك لو كان على ما قالوا لقيل: وإلى الوالدَيْن إِحسانًا. لأنه إنما يقالُ: أحسَنَ فلانٌ إلى والديْه. ولا يقالُ:


(١) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "معنى".
(٢) سقط من: م.
(٣) سقط من: م، ت ١، ت ٢، ت ٣.
(٤) في م: "اتساقه".
(٥) في م: "أخرى".