وقولُه: ﴿قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾. وفى الكلامِ متروكٌ اجتُزِئ بدلالةِ ما ذُكِر عليه منه، وهو: فأوْقَدُوا له نارًا ليُحَرِّقوه، ثم أَلْقَوه فيها، فقلنا للنارِ: يا نارُ كوني بردًا وسلامًا على إبراهيمَ.
وذُكِر أنهم لمَّا أرادوا إحْراقَه بَنَوا له بُنْيانًا، كما حدَّثنا موسى، قال: ثنا عمرٌو، قال: ثنا أسباطُ، عن السديِّ، قال: ﴿قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ﴾ [الصافات: ٩٧]. قال: فحَبَسُوه في بيتٍ، وجَمَعوا له حَطَبًا، حتى إن كانتِ المرأةُ لتَمْرَضُ فتقولُ: لئن عافانى اللهُ لأجمْعنَّ حَطَبًا لإبراهيمَ. فلما جَمَعوا له، وأكثَروا مِن الحطبِ، حتى إن الطيرَ لتَمُرُّ بها فتحترقُ مِن شِدَّةِ وَهَجِها، فعَمَدوا إليه فرَفَعوه على رأسِ البنيانِ، فرفَع إبراهيمُ ﷺ رأسَه إلى السماءِ، فقالت السماءُ والأرضُ والجبالُ والملائكةُ: ربَّنا، إبراهيمُ يُحْرَقُ فيك. فقال: أنا أعلمُ به، وإنْ دَعاكم فأَغِيثوه. وقال إبراهيمُ حينَ رَفَع رأسه إلى السماءِ: اللهمِّ أنت الواحدُ في السماءِ، وأنا الواحدُ في الأرضِ، ليس في الأرضِ أحدٌ يعبدُك غيرى، حَسْبي اللهُ ونعمَ الوكيلُ. فقَذَفوه في النارِ، فناداها فقال: ﴿يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾. فكان جبريلُ ﵇ هو الذي ناداها - وقال ابن عباسٍ: لو لم يُتبَعْ بَرْدُها "سلاما" لماتَ إبراهيمُ مِن شدَّةِ بَرْدِها، فلم يَبْقَ يومَئِذٍ نَارٌ في الأرضِ إِلا طُفِئتْ، ظَنَّتْ أنها هي تُعْنى - فلما طُفِئَتِ النارُ نَظَروا إلى إبراهيمَ، فإذا هو ورجلٌ آخَرُ معه، وإذا رأسُ إبراهيمَ في جُرِه يمسَحُ عن وَجْهِهِ العَرَقَ، وذُكِر أن ذلك الرجلَ هو مَلَكُ الظَّلِّ، وأنزلَ اللهُ نارًا فانتفَعَ بها بنو آدمَ، وأخْرَجوا إبراهيمَ، فأدخَلوه على المَلِكِ، ولم يكنْ قبلَ ذلك دخَل عليه (١).
(١) أخرجه المصنف في تاريخه ١/ ٢٤١، ٢٤٢. وذكره السيوطي في الدر المنثور ٤/ ٣٢٢، مقتصرًا على أن القائل للنار هو جبريل وعزاه إلى المصنف وابن أبي حاتم.