للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واختلَفت القرأةُ في قراءةِ قولِه: (لِيُحْصِنَكُم). فقرأَ ذلك أكثرُ قرأةِ الأمصارِ: (لِيُحْصِنَكُمْ). بالياءِ (١)، بمعنى: ليُحصِنَكم اللَّبوسُ من بأْسِكم. ذَكَّروه لتذكيرِ "اللَّبوسِ". وقرأ ذلك أبو جعفرٍ يزيدُ بنُ القعقاعِ: ﴿لِتُحْصِنَكُمْ﴾ بالتاءِ (٢)، بمعنَى: لتُحصِنَكم الصنعَةُ. فأَنَّث لتأْنيثِ الصنعَةِ. وقرأ شيبةُ بنُ نِصَاحٍ (٣) وعاصمُ بنُ أبي النَّجودِ: (لِنُحْصِنَكُمْ) بالنونِ (٤)، بمعنى: لنُحصِنَكم نحنُ من بأْسِكم.

قال أبو جعفرٍ: وأولَى القراءاتِ في ذلك بالصوابِ عندى قراءةُ من قرأَه بالياءِ؛ لأنها القراءةُ التي عليها الحجةُ مِن قرأةِ الأمصارِ، وإن كانت القراءاتُ الثلاثُ التي ذكَرناها متقارباتِ المعانى، وذلك أن الصَّنعَةَ هي اللَّبوسُ، واللَّبوسَ هي الصنعةُ، واللهُ هو المحصِنُ به من البأْسِ (٥)، وهو المحصِنُ بتصييرِ اللهِ إياه كذلك. ومعنَى قولِه (لِيُحْصنَكُمْ): ليُحرِزَكم. وهو من قولِه: قد أحصَن فلانٌ جاريتَه. وقد بيَّنا معنَى ذلك بشواهدِه فيما مضَى قبلُ (٦).

والبأْسُ: القتالُ. وعلَّمنا داودَ صنعةَ سلاحٍ لكم ليُحرِزَكم إذا لَبِستموه، ولقِيتُم فيه أعداءكم من القتلِ.

وقولُه: ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ﴾. يقولُ: فهل أنتم أيها الناسُ شاكِرُو اللهِ على


(١) هي قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو وحمزة والكسائي. السبعة لابن مجاهد ص ٤٣٠.
(٢) هي قراءة ابن عامر وحفص عن عاصم. المصدر السابق.
(٣) في ت ١، ف: "فصاح"، وينظر غاية النهاية ١/ ٣٢٩.
(٤) هي رواية أبي بكر ورويس عن عاصم. النشر ٢/ ٢٤٣. وتنظر قراءة شيبة في تفسير القرطبي ١١/ ٣٢١، وذكرها في البحر المحيط ٦/ ٣٣٢ بالتاء.
(٥) في ص، ت ١، ت ٢، ف: "الناس".
(٦) ينظر ما تقدم في ٦/ ٥٧٥.