للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

معهم فتًى حديثُ السنِّ، قد كان آمن به وصدَّقه، فجلَسُوا إلى أيوبَ ونظَروا إلى ما به من البلاءِ، فأعظَموا ذلك وفَظِعوا به، وبلَغ من أيوبَ صلواتُ اللهِ عليه مجهودُه، وذلك حينَ أرادَ اللهُ أن يُفرِّجَ عنه ما به، فلما رأى أيوبُ ما أعظَموا مما أصابَه، قال: أي رَبِّ، لأيِّ شيءٍ خَلَقتَنى؟ ولو كنتَ إذ قضَيْتَ عليَّ البلاءَ ترَكتَنى فلم تخلُقْنى، ليتَنى كنتُ دَمًا ألقَتْنى أُمِّى. ثم ذكَر نحوَ حديثِ ابن عسْكَرٍ، عن إسماعيلَ بن عبدِ الكريمِ، إلى: وكابَدُوا الليلَ، واعتزَلوا الفُرُشَ، وانتظَروا الأسحارَ. ثم زاد فيه: أولئك الآمنون الذين لا يَخافُون، ولا يهتمُّون ولا يحزَنون، فأين عاقبةُ أمرِك يا أيوبُ من عواقبِهم؟ قال فتًى حضَرهم، وسمِع قولَهم (١)، ولم يفطِنوا له، ولم يأبَهوا (٢) لمجلِسِه، وإنما قيَّضَه اللهُ لهم؛ لما كان من جَوْرِهم في المنطِقِ وشطَطِهم، فأرادَ اللهُ أن يُصغِرَ به إليهم أنفسَهم، وأن يُسَفِّهَ بصَغَرِه لهم أحلامَهم، فلما تكلَّم تمادَى في الكلامِ فلم يزدَدْ إلا حُكْمًا، وكان القومُ من شأنِهم الاستماعُ والخشوعُ إذا وُعِظوا أو ذُكِّروا، فقال: إنكم تكلَّمتُم قَبْلى أيها الكهولُ، وكُنتُم أحقَّ بالكلامِ وأَوْلى به منى؛ لحقِّ أسنانِكم، ولأنكم قد جرَّبْتُم قَبْلى، ورأيتُم وعلِمتم ما لم أعلَمْ، وعرَفتُم ما لم أعرِفْ، ومع ذلك قد ترَكتُم من القولِ أحسَنَ من الذي قلتُم، ومن الرأيِ أصوبَ من الذي رأيتُم، ومن الأمرِ أجملَ من الذي أتيتُم، ومن الموعظةِ أحكَمَ من الذي وصَفتُم، وقد كان لأيوبَ عليكم من الحقِّ والذِّمامِ أفضلُ من الذي وصَفتم، فهل تدرونَ أيها الكهولُ حقَّ من انتقَصْتم؟ وحُرمةَ مَن انتهَكْتم؟ ومَن الرجلُ الذي عِبْتُم واتَّهَمْتم؟ ألم تعلَموا أيها الكهولُ أن أيوبَ نبيُّ اللهِ


(١) في ص، ت ١، ت ٢، ف: "قوله".
(٢) في ت ١: "ينتبهوا".