يقولُ تعالى ذكرُه: لم يَصِلْ إلى اللهِ لحومُ بُدنِكم ولا دماؤُها، ولكن ينالُه اتِّقاؤُكم إياه إن اتَّقَيتُموه فيها، فأردتُم بها وجهَه، وعَمِلتُم فيها بما نَدَبَكم إليه، وأمَرَكم به فى أمرِها، وعظَّمتم بها حُرُماتِه.
وبنحو الذي قُلنا في ذلك قال أهلُ التأويل.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا ابنُ بشارٍ، قال: ثنا يحيى، عن سفيان، عن منصورٍ، عن إبراهيمَ في قول الله: ﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ﴾. قال: ما أُرِيدَ به وجهُ اللهِ (١).
حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ في قوله: ﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ﴾. قال: إن اتَّقيتَ اللهَ في هذه البُدنِ، وعَمِلتَ فيها لله، وطَلَبتَ ما قال الله تعظيمًا لشعائر الله، ولحرماتِ اللهِ؛ فإنه قال: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾. قال: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ﴾. قال: وجَعَلتَه طيِّبًا، فذلك الذي يتقبَّلُ الله، فأما اللحوم والدماءُ، فمِن أينَ تنالُ الله؟
وقولُه: ﴿كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ﴾. يقولُ: هكذا سخَّر لكم البُدنَ، ﴿لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ﴾. يقولُ: كي تُعظِّموا اللهَ ﴿عَلَى مَا هَدَاكُمْ﴾، يعنى: على توفيقه إياكم لدينه، وللنُّسُكِ في حَجِّكم.
(١) عزاه السيوطى فى الدر المنثور ٤/ ٣٦٣ إلى عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.