للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقولُه: ﴿ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً﴾. يقولُ: ثم صيَّرنا النطفة التي جعلناها في قرار مكين علقةً، وهى القطعة من الدم، ﴿فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً﴾. يقول: فجعلنا ذلك الدم مضغة، وهى القطعة من اللحم.

وقولُه: ﴿فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا﴾. يقولُ: فجعلنا تلك المضغة اللحمَ عظامًا.

وقد اختَلَفت القَرَأَةُ في قراءةِ ذلك؛ فقرأتْه عامةُ قَرَأةِ الحجاز والعراق سوى عاصمٍ: ﴿فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا﴾ على الجماع، وكان عاصم وعبد اللهِ بنُ عامرٍ يَقْرآن ذلك: (عَظْمًا) في الحرفين على التوحيد جميعا (١).

والقراءة التي نختارُ في ذلك الجماع؛ لإجماع الحجةِ من القَرَأَةِ عليه (٢).

وقوله: ﴿فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا﴾. يقولُ: فأَلْبَسنا العظام لحمًا.

وقد ذُكِر أن ذلك في قراءة عبدِ اللهِ: (ثُمَّ خَلَقْنَا (٣) النُّطْفَةَ عَظْمًا وعَصَبًا فَكَسَوْناه لحمًا) (٤).

وقوله: ﴿ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ﴾. يقولُ: ثم أنشأنا هذا الإنسان خلقا آخر.

وهذه الهاء التى في ﴿أَنشَأْنَاهُ﴾ عائدة على "الإنسانِ" في قوله: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ﴾. وقد يَجوز أن تكونَ مِن ذكر "العظمِ" و "النطفةِ" و "المضغة" جعل ذلك كله كالشيء الواحد، فقيل: ثم أَنشَأنا ذلك خلقا آخر.


(١) وقرأ حفص عن عاصم على الجماع كقراءة عامة القراء. ينظر حجة القراءات ص ٤٨٤.
(٢) القراءتان متواترتان.
(٣) في معانى القرآن: "جعلنا".
(٤) معانى القرآن للفراء ٢/ ٣٢٣٢.