للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذلك أنه بنفخ الروح فيه يَتَحَوَّلُ خلقًا آخرَ إنسانًا، وكان قبل ذلك بالأحوالِ التي وصَفه الله أنه كان بها؛ من نطفةٍ، وعلقة، ومضغة، وعظم، وبنفخ الروح فيه يَتَحَوَّلُ عن تلك المعانى كلها إلى معنى الإنسانية، كما تَحوَّل أبوه (١) آدم بنفخ الروح في الطينة التي خُلق منها؛ إنسانًا وخلقا آخرَ غير الطين الذى خُلق منه.

وقوله: ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾. اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك؛ فقال بعضُهم: معناه: فتبارك الله أحسنُ الصانعين.

ذكر من قال ذلك

حدَّثنا ابنُ حُمَيدٍ، قال: ثنا حَكّامٌ، عن عَنْبَسَةَ، عن ليث، عن مجاهد: ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾. قال: يَصْنَعون ويَصْنَعُ الله، والله خيرُ الصانعين (٢).

وقال آخرون: إنما قيل: ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾؛ لأن عيسى ابن مريمَ كان يَخْلُقُ، فأخبَر جلَّ ثناؤُه عن نفسه أنه يَخْلُقُ أَحسَنَ مما كان يَخْلُقُ.

ذكر من قال ذلك

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسين، قال: ثنى حجاج، قال: قال ابنُ جُرَيج في قوله: ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾. قال: عيسى ابن مريمَ يَخْلُقُ (٢).

وأَوْلى القولين في ذلك بالصواب قول مجاهد؛ لأن العرب تُسمِّى كلَّ صانعٍ خالقًا. ومنه قولُ زُهَيْرٍ (٣):


(١) سقط من: ت ١، ت ٢، ت ٣، ف.
(٢) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٥/ ٧ إلى المصنف.
(٣) شرح ديوان زهير ص ٩٤.