للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأولى القولينِ في ذلك بالصوابِ قولُ مَن قال: معنى ذلك: ولا تأخُذْكم بهما رأفةٌ في إقامةِ حدِّ اللهِ عليهما، الذي افترَض عليكم إقامتَه عليهما.

وإنَّما قلْنا: ذلك أولى التأويلينِ بالصوابِ؛ لدلالةِ قولِ اللهِ بعدَه: ﴿فِي دِينِ اللَّهِ﴾. يعني: في طاعةِ اللهِ التي أمَركم بها. ومعلومٌ أَنَّ دينَ اللهِ الذي أمَر بهِ في الزانيينِ إقامةُ الحدِّ عليهما، على ما أمَر (١) مِن جلدِ كلِّ واحدٍ منهما مائةَ جَلدةٍ، مع أنَّ الشدَّةَ في الضربِ لا (٢) حدَّ لها يُوقَفُ عليه، وكلُّ ضرْبٍ أوجَع فهو شديدٌ، وليس للذي يُوجِعُ في الشدَّةِ حدٌّ لا زيادةَ فيهِ فيُؤمرَ به. وغيرُ جائزٍ وصْفُه جلَّ ثناؤُه بأَنَّه أمَر بما لا سبيلَ للمأمورِ بهِ إلى معرِفتِه. وإذا كان ذلك كذلك، فالذي للمأمورينَ (١) إلى معرفتِه السبيلُ هو عددُ الجَلْدِ على ما أمَر بهِ، وذلك هو إقامةُ الحدِّ على ما قلْنا.

وللعربِ في الرأفةِ لغتانِ؛ الرأفةُ بتسكينِ الهمزةِ، والرآفةُ بمدِّها، كالسأمةِ والسآمةِ، والكأبةِ والكآبةِ. وكأنَّ الرأفةَ المرةُ الواحدةُ، والرآفةَ المصدرُ، كما قِيل: ضَؤُلَ ضآلةً، مِثل فَعُلَ فَعالةً، وقَبُح قَباحةً.

وقولُه: ﴿إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾. يقولُ: إِنْ كُنتُم تصدِّقون [بأنَّ الله] (٣) ربِّكم، وباليومِ الآخرِ، [وأنكم] (٤) فيه مبعوثُون لحشرِ القيامةِ، وللثوابِ والعقابِ، فإِنَّ مَن كان بذلك مُصدِّقًا، فإنَّه لا يخالفُ الله في أمرِه ونهيهِ، خوفَ عقابهِ على


(١) بعده في ت ٢: "به".
(٢) في ت ١، ف: "لأنه".
(٣) في م، ت ١، ت ٣، ف: "بالله".
(٤) سقط من: ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، ف.