قيل: إن معنى الشراءِ والبيعِ عندَ العربِ هو إزالةُ مالكٍ مِلْكَه إلى غيرِه بعِوَضٍ يَعْتَاضُه منه، ثم تَسْتَعملُ العربُ، ذلك فى كلِّ مُعْتاضٍ مِن عملِه عِوَضًا، شرًّا أو خيرًا، فتقولُ: نِعْمَ ما باع به فلانٌ نفسَه، وبئس ما باع به فلانٌ نفسَه. بمعنى: نِعْمَ الكَسْبُ أكْسَبها، وبئس الكَسْبُ أكْسَبها. إذا أوْرَثها بسَعْيِه عليها خيرًا أو شرًّا. فكذلك معنى قولِه جل ثناؤه: ﴿بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ﴾. لمّا أوْبقوا أنفسَهم بكفرِهم بمحمدٍ ﷺ فأهْلَكوها، خاطَبهم اللهُ والعربَ بالذى يَعْرِفونه في كلامِهم، فقال: ﴿بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ﴾ يعنى بذلك: بئس ما أكْسَبوا أنفسَهم بسعيِهم، وبئس العِوَض اعْتَاضُوا مِن كفرِهم باللهِ في تكذيبِهم محمدًا؛ إذ كانوا قد رَضُوا عِوضًا مِن ثوابِ اللهِ وما أعدَّ لهم -لو كانوا آمَنُوا باللهِ وما أنْزَل على أنبيائِه- بالنارِ وما أعدَّ لهم بكفرِهم بذلك.
وهذه الآيةُ -وما أخْبَر اللهُ فيها عن حسدِ اليهودِ محمدًا ﷺ وقومَه مِن العربِ، مِن أجلِ أن اللهَ جعَل النبوةَ والحِكمةَ فيهم دونَ اليهودِ مِن بنى إسرائيلَ، حتى دعَاهم ذلك إلى الكفرِ به مع علمِهم بصدقِه، وأنه للهِ نبىٌّ مبعوثٌ ورسولٌ مُرْسَلٌ- نَظِيرةُ الآيةِ الأُخْرى فى سورةِ النساءِ، وذلك قولُه: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا (٥١) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا (٥٢) أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا (٥٣) أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٥١ - ٥٤].