للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واختلَفت القرَأَةُ في قراءةِ قولِه: ﴿وَلَا يَأْتَلِ﴾؛ فقرأته عامةُ قرأةِ الأمصارِ: ﴿وَلَا يَأْتَلِ﴾ بمعنى "يفتعل"، من الأَلِيَّةِ، وهى القسمُ باللهِ، سوى أبي جعفرٍ وزيدِ بن أسلمَ، فإنه ذُكر عنهما أنهما قرأ ذلك: (ولَا يتَألَّ) بمعنى: "يتفعل"، من الأَلِيَّةِ (١).

والصوابُ مِن القراءةِ في ذلك عندِى قراءةُ مَن قرَأَ: ﴿وَلَا يَأْتَلِ﴾ بمعنى: "يفتعل"، من الأَلِيَّةِ، وذلك أن ذلك في خطِّ المصحفِ كذلك، والقراءةُ الأُخرى مخالفةٌ خطَّ المصحفِ (٢)، فاتباعُ المصحفِ مع قراءةِ جماعةِ القرأةِ وصحّةِ المقروءِ به، أولَى مِن خلافِ ذلك كلِّه (٣).

وإنما عُنِى بذلك أبو بكرٍ الصدِّيقُ في حَلِفِه باللهِ لا يُنفقُ على مِسْطَحٍ، فقال جلَّ ثناؤُه: ولا يَحلفْ مَن كان ذا فضلٍ مِن مالٍ وسَعَةٍ منكم، أيُّها المؤمنون باللهِ، أَلَّا يُعْطُوا ذَوِى قَرابتِهم، فيصِلوا به أرحامَهم، كمِسْطحٍ، وهو ابن خالةِ أبي بكرٍ، ﴿وَالْمَسَاكِينَ﴾. يقولُ: وذوى خَلَّةِ الحاجةِ. وكان مِسْطحٌ منهم؛ لأنه كان فقيرًا محتاجًا، ﴿وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾، وهم الذين هاجروا مِنْ (٤) ديارِهم وأموالِهم في جهادِ أعداءِ اللهِ، وكان مِسْطَحٌ منهم؛ لأنَّه كان ممن هاجَر مِن مكةَ إلى المدينةِ، وشهِد مع رسولِ اللهِ بدرًا، ﴿وَلْيَعْفُوا﴾. يقولُ: وليعفُوا عمَّا كان منهم إليهم من جُرمٍ، وذلك كجرمِ مِسْطحٍ إلى أبي بكرٍ، في إشاعتِه على ابنتِه عائشةَ ما أشاع مِن الإفكِ، ﴿وَلْيَصْفَحُوا﴾. يقولُ: وليتركوا عقوبتَهم (٥) على


(١) وهي قراءة عبد الله بن عياش بن ربيعة والحسن. ينظر البحر المحيط ٦/ ٤٤٠، والنشر ٢/ ٢٤٨.
(٢) بعده في ص، ت ١، ت ٢: "كذلك".
(٣) قال ابن الجزرى في النشر ٢/ ٢٤٨: وذكر الإمام المحقق أبو محمد إسماعيل بن إبراهيم القراب في كتابه "علل القراءات" أنه كتب في المصاحف (يتل). قال: فلذلك ساغ الاختلاف فيه على الوجهين.
(٤) سقط من: ص، ت ١، ت ٢، ت ٣.
(٥) في ص، ت ١، ت ٢، ف: "عقوبته".