للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أُنْزِلَ عَلَيْنَا﴾ -: لم تَقْتُلون -إن كنتم يا معشرَ اليهودِ مؤمنين بما أنزلَ اللهُ عليكم- أنبياءَه، وقد حَرَّم اللهُ في الكتابِ الذى أنزلَ عليكم قَتْلَهم، بل أمَركم فيه باتباعِهم وطاعتِهم وتصديقِهم. وذلك من اللهِ جل ثناؤُه تكذيبٌ لهم في قولِهم: ﴿نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا﴾ وتَعْيِيرٌ لهم.

كما حدثنا موسى بنُ هارونَ، قال: ثنا عمرُو بنُ حمادٍ، قال: ثنا أسباطُ، عن السدىِّ، قال: قال اللهُ تعالى ذكرُه وهو يُعَيِّرُهم، يعنى اليهودَ: ﴿فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ (١).

فإن قال لنا قائلٌ: وكيف قيل (٢): ﴿فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللهِ مِنْ قَبْلُ﴾ فابتدأ الخبرَ على لفظِ المستقبلِ، ثم أخبَر أنه قد مضَى؟

قيل: إن أهلَ العربيةِ مُختلِفون في تأويلِ ذلك، فقال بعضُ البصريِّين: معنى ذلك: فلم قَتَلْتم أنبياءَ اللهِ من قبلُ، كما قال جل ثناؤُه: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ﴾ [البقرة: ١٠٢] أي: ما تَلَتْ. وكما قال الشاعرُ (٣):

ولقد أمُرُّ على اللئِيمِ يسُبُّنى … فمَضَيْتُ عنه وقلتُ لا يَعْنِينى

يريدُ بقولِه: ولقد أمُرُّ: ولقد مَرَرْتُ. واستدلَّ على أن ذلك كذلك بقولِه: فمضَيْتُ عنه. ولم يَقُلْ: فأمْضِى عنه. وزعَم أن "فعَل" و"يفعَلُ" قد تَشْتَرِكُ في معنًى واحدٍ، واسْتَشْهَدَ على ذلك بقولِ الشاعرِ (٤):


(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ١/ ١٧٥ (٩٢٤) عن أبي زرعة، عن عمرو به.
(٢) بعده في م: "لهم".
(٣) البيت لشمر بن عمرو الحنفى في الأصمعيات ص ١٢٦، ولرجل من بني سلول في الكتاب ١/ ٢٤، وبلا نسبة في الصاحبى ص ٣٦٤، واللسان (ث م م، م ن ى).
(٤) هو الطرماح، والبيت في ذيل ديوانه (ملحق بالديوان) صفحة ٥٧٢.