وجميلُه، للطيبين مِن الناسِ، والطيبون مِن الناسِ للطيباتِ مِن القول؛ لأنَّهم أهلها وأحقُّ بها.
وإنما قُلْنا: هذا القولُ أَوْلَى بتأويلِ الآيةِ؛ لأنَّ الآياتِ قبلَ ذلك إنما جاءَت بتوبيخِ اللَّهِ للقائلين في عائشةَ الإفكَ، والرامين المحصناتِ الغافلاتِ المؤمناتِ، وإخبارِهم ما خَصَّهم به على إفكِهم، فكان ختمُ الخبرِ عن أَوْلَى الفريقين بالإفكِ مِن الرامي والمرميِّ به، أشبهَ مِن الخبرِ عن غيرِهم.
وقولُه: ﴿أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ﴾. يقولُ: الطَّيبون مِن الناسِ مبرَّءون مِن خبيثاتِ القولِ، إن قالوها فإنَّ اللَّهَ يَصفحُ لهم عنها، ويَغْفِرُها لهم، وإن قِيلت فيهم ضرَّت قائلَها ولم تَضرَّهم، كما لو قال الطَّيِّبَ مِن القول الخبيثُ مِن الناسِ لم يَنْفَعُه الله به؛ لأنَّ الله لا يتقبَّلُه، ولو قِيلت له لضرَّتْه؛ لأنه يَلْحَقُه عارُها في الدنيا وذلُّها في الآخِرة.
كما حدَّثنا الحسنُ، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبَرنا مَعْمَرٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ: ﴿أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ﴾: فَمَن كان طيِّبًا فهو مُبَرَّأٌ مِن كلِّ قولٍ خبيثٍ، يقول: يغفِرُه اللهُ. ومَن كان خبيثًا فهو مُبَرَّأٌ مِن كلِّ قولٍ صالحٍ، فإنه يَرُدُّه الله عليه، لا يَقبلُه منه (١).
وقد قِيل: عُنِى بقولِه: ﴿أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ﴾: عائشةُ وصفوانُ بنُ المُعَطَّلِ الذي رُمِيت به. فعلى هذا القولِ قيل: ﴿أُولَئِكَ﴾. فجُمِع، والمرادُ ذانِك، كما قيل: ﴿فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ﴾ [النساء: ١١]. والمرادُ أخوَان.
(١) تفسير عبد الرزاق ٢/ ٥٥. وهو بعض الأثر المتقدم في ص ٢٣٥.