للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإنما قلنا: ذلك أَولى الأقوالِ في ذلك بالصوابِ؛ لإجماعِ الجميعِ على أن على كلِّ مصلٍّ أن يستُرَ عَورتَه في صلاتِه، وأن للمرأةِ أن تَكْشِفَ وجَهَها وكفَّيْها في صلاتِها، وأن عليها أن تَستُرَ ما عدا ذلك من بدنِها، إلا ما رُوِى عن النبيِّ أنه أباح لها أن تُبديَه مِن ذراعِها إلى قدرِ النصفِ (١). فإذ كان ذلك مِن جميعِهم إجماعًا، كان معلومًا بذلك أن لها أن تُبدىَ مِن بدنِها ما لم يكنْ عورةً كما ذلك للرجالِ؛ لأنَّ ما لم يكنْ عورةً، فغيرُ حرامٍ إظهارُه. وإذا كان لها إظهارُ ذلك، كان معلومًا أنه مما استَثْناه اللَّهُ تعالى ذكرُه بقولِه: ﴿إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾. لأنَّ كلَّ ذلك ظاهرٌ منها.

وقولُه: ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: ولْيُلْقِين خمُرَهن - وهى جمعُ خِمارٍ - على جيوبِهن؛ ليَسْتُرْنَ بذلك شعورَهن وأعناقَهن وقُرْطَهن.

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا زيدُ بنُ حُبابٍ، عن إبراهيمَ بن نافعٍ، قال: ثنا الحسنُ بنُ مسلمِ بن يَنَّاقٍ، عن صفيةَ بنتِ شيبةَ، عن عائشةَ، قالت: لمَّا نزَلت هذه الآيةُ: ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنّ﴾. قال: شَقَقْن البُرُدَ مما يَلِى الحَواشِىَ، فاخْتَمَرْنَ به (٢).

حدَّثني يونُسُ، قال: أخبَرنا ابن وهبٍ، أن قُرَّةَ بنَ عبدِ الرحمنِ أخبَره، عن ابن شهابٍ، عن عروةَ، عن عائشةَ زوجِ النبيِّ أنها قالت: يَرْحَمُ اللَّهُ النساءَ المهاجراتِ الأُوَلَ، لمّا أنزَلَ اللَّهُ: ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنّ﴾ شَقَقْن


(١) تقدم في ص ٢٥٩، ٢٦٠.
(٢) أخرجه الحاكم، ٢/ ٣٩٧، والبيهقى ٢/ ٢٣٤ من طريق زيد بن الحباب به، والبخارى (٤٧٥٩)، والنسائى في الكبرى (١١٣٦٣) من طريق إبراهيم بن نافع به.