للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قرأةِ المدينةِ والبصرةِ: ﴿ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ﴾. برفع "الثلاث" (١). بمعنى الخبرِ عن هذه الأوقاتِ التي ذكِرت، كأنه عندَهم قيل: هذه الأوقاتُ الثلاثةُ التي أمَرناكم بأن لا يدخُلَ عليكم فيها مَن ذَكَرنا إلا بإذنٍ، ثلاثُ عَوْراتٍ لكم؛ لأنكم تَضَعُون فيها ثيابَكم، وتَخْلُون بأهْلِيكم.

وقرَأ ذلك عامةُ قرأةِ الكوفةِ: (ثَلاثَ عَوْرَاتٍ). بنصبِ "الثلاثِ" على الردِّ على "الثلاثِ" الأولى (٢). وكأن معنى الكلامِ عندَهم: لِيَسْتأْذِنْكم الذين مَلَكَت أيمانُكم، والذين لم يَبْلُغوا الحُلُمَ منكم ثلاثَ مراتٍ ثلاثَ عَوْراتٍ لكم.

والصوابُ مِن القولِ في ذلك أنهما قراءتان مُتَقارِبتا المعنى، وقد قرَأ بكلِّ واحدةٍ منهما علماءُ مِن القرأةِ، فبأيَّتِهما قرَأ القارئُ فمُصِيبٌ.

وقولُه: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ﴾ معشرَ أربابِ البيوتِ والمساكنِ ﴿وَلَا عَلَيْهِمْ﴾ يعني: ولا على الذين مَلَكَت أيمانُكم مِن الرجالِ والنساءِ والذين لم يَبْلُغوا الحُلُمَ مِن أولادِكم الصغارِ - حرَجٌ ولا إثمٌ ﴿بَعْدَهُنَّ﴾، يعني: بعدَ العوراتِ الثلاثِ.

والهاءُ والنونُ في قولِه: ﴿بَعْدَهُنَّ﴾. عائدتان على "الثلاثِ" مِن قولِه: ﴿ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ﴾. وإنما يعنى بذلك أنه لا حَرَج ولا جُناحَ على الناسِ أن يدخُلَ (٣) عليهم مَمالِيكُهم البالِغون، وصِبْيانُهم الصغارُ، بغيرِ إذنٍ بعدَ هذه الأوقاتِ الثلاثِ اللاتى ذَكَرَهنَّ في قولِه: ﴿مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ﴾.


(١) هي قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو وابن عامر وحفص عن عاصم. السبعة لابن مجاهد ص ٤٥٩.
(٢) هي قراءة حمزة والكسائي وأبى بكر عن عاصم. المصدر السابق.
(٣) في ص، ت ٢، ف: "يدخلهم".