للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان بعضُ أهلِ المعرفةِ بكلامِ العربِ مِن أهلِ البصرةِ (١) يقولُ في قولِه: ﴿لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا﴾: أي: هَلَكةً. ويقولُ: هو مصدرٌ من: ثُبِرَ الرجلُ. أي: أُهلِك. ويستَشْهِدُ لقيلِه (٢) ذلك ببيتِ ابن الزِّبَعْرَى (٣):

إذْ أُجارِى الشَّيْطَانَ في سَنَنِ الغَسيِّ (٤) … وَمَنْ مالَ مَيْلَهُ مَثْبُورُ

وقولُه: ﴿لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ [ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا﴾. يقولُ: لا تدعُوا اليوم] (٥) أيُّها المشركون ندمًا واحدًا - أي: مرَّةً واحدةً - ولكن ادعُوا ذلك كثيرًا.

وإنَّما قيل: ﴿لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا﴾؛ لأنَّ الثُّبورَ مصدرٌ، والمصادرُ لا تُجمَعُ، وإنَّما تُوصَفُ بامتدادِ وقتِها وكثرتِها، كما يقالُ: قعد قُعُودًا طويلًا، وأكَل أكلًا كثيرًا.

حدَّثنا محمدُ بنُ مرزوقٍ، قال: ثنا حجاجٌ، قال: ثنا حَمَّادٌ، قال: ثنا عليُّ بنُ زيدٍ، عن أنسِ بن مالكٍ، أنَّ رسولَ اللهِ قال: "أَوَّلُ مَنْ يُكسى حُلَّةً مِنَ النَّارِ إبْلِيسُ، فَيضَعُها على حاجِبَيْهِ، ويَسْحَبُها مِن خَلْفِه، وذُرِّيَّتُه مِن خَلْفِه، وهو يقولُ: يا ثُبُورَاه. وهم يُنادون: يا ثُبُورَهم، حتى يَقِفُوا على النَّارِ، وهو يقولُ: يا ثُبوراه. وهم يُنادون: يا ثُبورَهم. فيقالُ: ﴿لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا﴾ " (٦).


(١) هو أبو عبيدة في مجاز القرآن ٢/ ٧١.
(٢) بعده في م: "في".
(٣) تقدم في ١٥/ ١٠٨.
(٤) في ت ٢: "العمى".
(٥) سقط من النسخ، ولا بد منها لاستقامة السياق، ويؤيده ما بعده.
(٦) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ١٣/ ١٦٨، ١٤/ ١٠٩، وأحمد ٢٠/ ١٤ (١٢٥٣٦)، وابن أبي عاصم في الأوائل (١١٨)، والبزار (٣٤٩٥ - كشف)، وابن أبي حاتم في تفسيره ٨/ ٢٦٦٩، والطبراني في الأوائل (١٠٦٨)، والبيهقي في البعث (٦٤٧)، والخطيب في تاريخه ١١/ ٢٥٣ من طريق حماد بن سلمة به، وعزاه =