للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كنتُ عندَ عونِ بن عبدِ اللهِ بن عتبةَ، فقال: ليس المُسْرِفُ مَن يَأْكُلُ مالَه، إنما المسرفُ مَن يَأْكُلُ مالَ غيرِه (١).

قال أبو جعفرٍ: والصوابُ مِن القولِ في ذلك قولُ مَن قال: الإسرافُ في (٢) النفقةِ الذي عناه اللهُ في هذا الموضعِ ما جاوَز الحدَّ الذي أباحَه اللهُ لعبادِه، إلى ما فوقَه، والإقتارُ ما قصَر عما أمَر اللهُ به، والقَوامُ بينَ ذلك.

وإنما قلنا: إن ذلك كذلك؛ لأن المُسْرِفَ والمُقْتِرَ كذلك، ولو كان الإسرافُ والإقتارُ في النفقةِ مُرَخَّصًا فيهما، ما كانا مَذْمومين، ولا كان المسرفُ ولا المقترُ مذمومًا؛ لأن ما أذِن اللهُ في فعلِه، فغيرُ مُسْتَحِقٍّ فاعلُه الذمَّ.

فإن قال قائلٌ: فهل لذلك من حدٍّ معروفٍ تُبَيِّنُه لنا؟ قيل: نعم، ذلك مفهومٌ في كلِّ شيءٍ مِن المطاعمِ والمشاربِ والملابسِ والصدقةِ وأعمالِ البرِّ وغيرِ ذلك، نَكْرَهُ تطويلَ الكتابِ بذكرِ كلِّ نوعٍ مِن ذلك مُفَصَّلًا، غيرَ أن جملةَ ذلك هو ما بَيَّنَّا، وذلك نحوُ أكْلٍ آكِلٍ مِن الطعامِ فوقَ الشِّبَعِ ما يُضْعِفُ بدنَه، ويَنْهَكُ قُواه، ويَشْغَلُه عن طاعةِ ربِّه، وأداءِ فرائضِه، وذلك مِن السَّرفِ، أو (٣) أنْ يَتْرُكَ الأكلَ، وله إليه سبيلٌ حتى يُضْعِفَ (٤) جسمَه، ويَنْهَكَ قُواه، ويُضْعِفَه عن أداءِ فرائضِ ربِّه، فذلك مِن الإقتارِ، وبينَ ذلك القَوامُ، وعلى هذا النحوِ كلُّ ما جانَس ما ذكَرْنا.

فأمَّا اتخاذُ الثوبِ للجمالِ؛ يَلْبَسُه عندَ اجتماعِه مع الناسِ، وحضورِه المحافلَ والجُمَعَ والأعيادَ، دونَ ثوبِ مِهْنتِه، أو أكلُه مِن الطعامِ ما قوَّاه على عبادةِ ربِّه، ما


(١) ذكره القرطبي في تفسيره ١٣/ ٧٣.
(٢) في ص، ت ١، ت ٢، ف: "من".
(٣) في م: "و".
(٤) بعده في م: "ذلك".