للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واختلَفت القرأةُ في قراءةِ قوله: ﴿مِنْ سَبَإ﴾؛ فقرَأ ذلك عامَّةُ قرأةِ المدينةِ والكوفةِ: ﴿مِنْ سَبَإٍ﴾ بالإجراءِ (١)، لمعنى أنه رجلٌ اسمُه سبأٌ. وقرَأه بعضُ قرأَةِ أهلِ مكةَ والبصرةِ: (مِن سَبَأَ). بتركِ الإجراءِ (٢)، على أنه اسمُ قبيلةٍ، أو لامرأةٍ.

والصوابُ مِن القولِ في ذلك أن يقالَ: إنهما قراءتان مشهورتان، قد قرَأ بكلِّ واحدةٍ منهما علماءُ مِن القرأةِ، فبأيَّتِهما قرَأ القارئُ فمصيبٌ. والإجراءُ في "سبأ"، وغيرُ الإجراءِ صوابٌ؛ لأن "سبأ" إن كان رجلًا كما جاء به الأثرُ، فإنه إذا أريد به اسمُ الرجلِ أُجْرِى، وإن أريدَ به اسمُ القبيلةِ لم يُجْرَ، كما قال الشاعرُ في إجرائِه (٣):

الواردون وتَيْمٌ (٤) في ذَرَا سبأ … قد عَضَّ أعناقَهم جِلْدُ الجواميسِ

يُروى: ذَرَا، وذُرَى.

وقد حُدِّثتُ عن الفرَّاءِ، عن الرؤاسيِّ، أنه سأَل أبا عمرِو بن العلاءِ: كيف لم تُجْرِ "سبأ"؟ قال: لستُ أدرى ما هو (٥).

فكأنَّ أبا عمرٍو ترَك إجراءَه إذ لم يَدْرِ ما هو، كما تَفْعَلُ العربُ بالأسماءِ المجهولةِ التي لا تعرِفُها، من تركِ الإجراءِ. حُكِى عن بعضِهم (٦): هذا أبو صُعرورَ (٧) قد جاء. فترَك إجراءَه، إذ لم يَعْرِفُه في أسمائِهم. وإن كان "سبأ" جبلًا فأُجرِى؛ فلأنَّه يُرادُ به الجبلُ بعينِه، وإن لم يُجْرَ فلأنَّه يُجْعَلُ اسمًا للجبلِ وما حولَه من البقعةِ.


(١) هي قراءة نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي وأبي جعفر ويعقوب وخلف. ينظر النشر ٢/ ٢٥٣.
(٢) هي قراءة ابن كثير في رواية البزى، وأبي عمرو، وروى قنبل عن ابن كثير إسكان الهمزة. المصدر السابق.
(٣) تقدم تخريجه في ١٤/ ٢٤٤.
(٤) في ت ١، ت ٢، ف: "هم". وينظر معاني القرآن للفراء ٢/ ٢٨٩.
(٥) ينظر معاني القرآن للفراء ٢/ ٢٨٩.
(٦) هو أبو السفاح السلولي، حكاه عنه الفراء في معاني القرآن ٢/ ٢٩٠.
(٧) في النسخ: "معرور". والمثبت من معاني القرآن، قال الفراء: الصعرور: شبيه بالصمغ.