أبيه، عن ابن عباس، قال: إن سليمانَ أُوتى مُلكًا، وكان لا يعلم أن أحدًا أُوتِيَ مُلكًا غيرَه، فلما فقد الهدهد سأَله: من أين جئتَ؟ ووعده وعيدًا شديدا بالقتل والعذابِ، قال: ﴿وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ﴾. قال له سليمان: ما هذا النبأ؟ قال الهدهدُ: ﴿إنِّي وَجَدتُ امْرَأَةً﴾ بسبأ ﴿تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ﴾ [النمل: ٢٣]. فلما أخبَر الهدهد سليمان أنه وجد سلطانًا، أنكر أن يَكُونَ لأحدٍ في الأرض سلطان غيره، فقال لمن عنده من الجن والإنسِ: ﴿يَاأَيُّهَا الْمَلأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣٨) قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (٣٩)﴾. قال سليمان: أُريدُ أعجَلَ من ذلك. ﴿قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مَّنَ الْكِتَابِ﴾ وهو رجل من الإنس عنده علم من الكتابِ فيه اسم الله الأكبرُ الذي إذا دُعِيَ به أجاب: ﴿أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾. فدعا بالاسم، وهو عنده قائمٌ، فاحتمل العرش احتمالا حتى وُضِع بين يدَى سليمانَ، والله صنَع ذلك، فلما أتى سليمان بالعرشِ وهم مشركون يَسْجُدون للشمس والقمر، أخبره الهدهد بذلك، فكتب معه كتابًا ثم بعثه إليهم، حتى إذا جاء الهدهد الملكة ألقى إليها الكتابَ ﴿قَالَتْ يَاأَيُّهَا الْمَلأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (٢٩)﴾ إلى: ﴿وَأتُونِي مُسْلِمِينَ﴾. فقالت لقومها ما قالت: ﴿وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ﴾. قال: وبعَثت إليه بوصائفَ ووُصفاءَ، وألبستهم لباسا واحدا، حتى لا يُعْرَفُ ذكر من أنثى، فقالت: إن زَيَّل بينَهم حتى يَعْرِفَ الذكر من الأنثى، ثم ردَّ الهدية، فإنه نبى، ويَنْبَغى لنا أن نَتْرُكَ مُلْكَنا ونَتَّبِعَ دينَه ونَلْحَقَ به. فردَّ سليمان الهدية وزيَّل بينَهم، فقال: هؤلاء غِلمان، وهؤلاء جَوَارٍ. وقال: ﴿أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ﴾