للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٤٤)﴾.

ذُكر أن سليمان لما أقبلت (١) صاحبةُ سبأ تريدُه، أمر الشياطين (٢) فبنوا له صَرْحًا، وهو كهيئة السطح، من قوارير، وأجرى من تحته الماء؛ ليختبر عقلها بذلك وفهمها، على نحو الذي كانت فعلت هي من توجيهها إليه الوصائف والوصفاءَ، ليميز بين الذكور منهم والإناث، معاتبةً بذلك كذلك.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاق، عن بعض أهل العلم، عن وهب بن منبِّهٍ، قال: أمر سليمانُ بالصَّرح، وقد عملته له الشياطينُ من زجاجٍ كأنه الماء بياضًا، ثم أرسل الماء تحته، ثم وُضع له فيه سريره، فجلس عليه، وعكفت عليه الطير والجنُّ والإنسُ، ثم قال: ادخُلى الصرح. ليريها مُلكًا هو أعزُّ من ملكها، وسلطانًا هو أعظم من سلطانِها، ﴿فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا﴾ لا تشكُّ أنه ماءٌ تخوضه، قيل لها: ادخُلى، ﴿إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ﴾. فلما وقفت على سليمان، دعاها إلى عبادة الله، وعابها في عبادتها الشمس من (٣) دونِ اللهِ، فقالت بقول الزنادقة، فوقع سليمان ساجدًا إعظامًا لما قالت، وسجد معه الناسُ، وسُقط في يديها حين رأت سليمان صنع ما صنع، فلما رفع سليمان رأسه قال: ويحك، ماذا قلت؟ قال: وأُنسِيَتْ ما قالت، فقالت: ﴿رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾. وأسلمت فحسُن إسلامها (٤).

وقيل: إن سليمان إنما أمر ببناء الصَّرْح على ما وصفه الله؛ لأن الجنَّ خافت من سليمان أن يتزوَّجها، فأرادوا أن يُزَهِّدوه فيها، فقالوا: إن رِجلَها رجلُ حمارٍ، وإن


(١) بعده في ت ٢: "عليه".
(٢) في ت ٢: "الشيطان".
(٣) سقط من: ص، م، ت ٢، ف.
(٤) ذكره ابن كثير في تفسيره ٦/ ٢٠٥.