للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان منه على بالٍ: قد جعَل فلانٌ هذا الأمرَ منه بظَهْرٍ، وجعَله وراءَ ظهرِه. يعنى به: أعرَض عنه وصدَّ وانصرَف.

كما حدَّثنى موسى قال: ثنا عمرٌو، قال: ثنا أسباطُ، عن السدىِّ: ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ﴾. قال: لمَّا جاءهم محمدٌ عارَضوه بالتوراةِ فخاصَموه بها، فاتَّفَقتِ التوراةُ والقرآنُ، فنبَذوا التوراةَ وأخَذوا بكتابِ آصَفَ وسحْرِ هاروتَ وماروتَ، فذلك قولُ اللهِ: ﴿كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (١).

ومعنى قولِه: ﴿كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾: كأنَّ هؤلاء الذين نبَذوا كتابَ اللهِ مِن علماءِ اليهودِ -فنقَضوا عهدَ اللهِ بتركِهم العملَ بما واثَقوا اللهَ على أنفسِهم العملَ [به مما] (٢) فيه- لايعلَمون ما في التوراةِ مِن الأمرِ باتباعِ محمدٍ وتصديقِه. وهذا مِن الله جلَّ ثناؤه إخبارٌ عنهم أنهم جحَدوا الحقَّ على علمٍ منهم به ومعرفةٍ، وأنهم عانَدوا أمرَ اللهِ فخالَفوه على علمٍ منهم بوجوبِه عليهم.

كما حدَّثنا بشرُ بنُ معاذٍ قال: ثنا يزيدُ قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه: ﴿نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾. يقولُ: نقَضه فريقٌ مِن الذين أوتوا الكتابَ ﴿كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾. أى: أن القومَ قد (٣) كانوا يعلَمون، ولكنهم أفسَدوا علمَهم و [جحَدوه وكتَموه وكفَروا به] (٤).


(١) أخرجه ابن أبى حاتم في تفسيره ١/ ١٨٤ (٩٧٧، ٩٧٩) من طريق عمرو بن حماد به.
(٢) في ت ٢، ت ٣، م: "بما".
(٣) سقط من: م.
(٤) في م: "جحدوا وكفروا وكتموا".
والأثر أخرجه ابن أبى حاتم في تفسيره ١/ ١٨٥ (٩٨٠) من طريق يزيد به إلى قوله: وراء ظهورهم، وأخرج بقيته (٩٨١)، من طريق شيبان النحوى، عن قتادة.