للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السماواتِ من الملائكةِ، ومَن في الأرضِ مِن الجنِّ والإنسِ والشياطينِ، مِن هَوْلِ ما يُعاينون ذلك اليومَ.

فإن قال قائلٌ: وكيف قيل: ﴿فَفَزِعَ﴾، فجعل "فزِع"، وهى "فَعَل" مردودةً على ﴿يُنْفَخُ﴾، وهى "يَفْعَلُ"؟

قيل: العربُ تَفْعَلُ ذلك في المواضعِ التي تَصْلُحُ فيها "إذا"؛ لأن "إذا" يَصْلُحُ معها "فعل" و"يَفْعَلُ"، كقولِك: أزُورُك إذا زُرْتَنى. و: أَزُورُكَ إِذا تَزُورُني. فإذا وُضِع مكانَ "إذا" (١) "يوم"، أُجْرِى مُجرَى "إذا".

فإن قيل: فأين جوابُ قوله: ﴿وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ﴾؟

قيل: جائزٌ أن يكونَ مُضْمَرًا مع الواوِ، كأنه قيل: ووقَع القولُ عليهم بما ظلَموا فهم لا ينطِقون، وذلك يومَ يُنْفَخُ في الصورِ. وجائزٌ أن يكونَ متروكًا، اكْتُفِى بدَلالةِ الكلامِ عليه منه، كما قيل: ﴿وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ [البقرة: ١٦٥] فتُرِك جوابُه.

وقولُه: ﴿إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ﴾. قيل: إن الذين اسْتَثْناهم اللهُ في هذا الموضعِ مِن أن يَنالَهم الفزعُ يومَئذِ، الشهداءُ، وذلك أنهم أحياءٌ عندَ ربِّهم يُرْزَقون، وإن كانوا في عِدادِ الموتى عندَ أهلِ الدنيا. وبذلك جاء الأثرُ عن رسولِ اللهِ ، وقد ذكَرْناه في الخبرِ الماضي.

وحدَّثني يعقوبُ بنُ إبراهيمَ، قال: ثنا هُشَيْمٌ، قال: أخبَرنا العَوَّامُ، عمَّن حدَّثه، عن أبي هريرةَ، أنه قرَأ هذه الآيةَ: ﴿فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ﴾. قال: هم الشهداءُ (٢).

وقولُه: ﴿وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ﴾. يقولُ: وكلٌّ أَتَوْه صاغِرِين.


(١) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، ف: "كذا".
(٢) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٥/ ١١٨ إلى سعيد بن منصور.