للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا﴾. قال: كان حينَ ذهَب مُلكُ سليمانَ، ارتدَّ فِئامٌ (١) مِن الجنِّ والإنس واتّبَعُوا الشهواتِ، فلما رجَع اللهُ إلى سليمانَ ملكَه، أقام (٢) الناسُ على الدِّينِ كما كان (٣)، وإن سليمانَ ظهَر على كتبِهم فدفَنها تحتَ كرسيِّه، وتوفِّى سليمانُ حِدْثانَ (٤) ذلك، فظهَرت الجنُّ والإنسُ على الكتبِ بعدَ وفاةِ سليمانَ، وقالوا: هذا كتابٌ مِن اللهِ نزَل على سليمانَ أخفاه مِنَّا؛ فأخَذوا به فجعَلوه دينًا، فأنزَل اللهُ: ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾. واتّبَعُوا [الشهَواتِ التى كانت] (٥) تَتْلو الشياطينُ، وهى المعازفُ واللعِبُ، وكلُّ شيءٍ يصُدُّ عن ذكرِ اللهِ (٦).

والصوابُ مِن القولِ في تأويلِ قولِه: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ﴾. أن ذلك من اللهِ جلَّ ذكرُه توبيخٌ لأحبارِ اليهودِ الذين أدرَكوا رسولَ اللهِ، فجحَدوا نبوَّتَه وهم يعلَمون أنه للهِ رسولٌ مرسَلٌ، وتأنيبٌ منه لهم في رفْضِهم. تنزيلَه، وهجْرِهم العملَ به، وهو في أيديهم يعلَمونه ويعرِفون أنه كتابُ اللهِ، واتباعِهم واتباعِ أوائلِهم وأسلافِهم ما تَلَتْه الشياطينُ في عهدِ سليمانَ. وقد بيَّنا وجهَ جوازِ إضافةِ أفعالِ أسلافِهم إليهم فيما مضَى، فأغنَى ذلك عن إعادتِه في هذا


(١) الفئام: الجماعة الكثيرة: اللسان (ف أ م).
(٢) في م: "قام"، وفى تفسير ابن أبى حاتم وابن كثير: "وقام".
(٣) في م: "كانوا".
(٤) حدثان الأمر، بالكسر: أوله وابتداؤه كحداثته. التاج (ح د ث).
(٥) في م، ت ٢، ت ٣: "ما".
(٦) أخرجه ابن أبى حاتم في تفسيره ١/ ١٨٥ (٩٨٤) عن محمد بن سعد به.