للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾. قال: إلى مولدِه بمكةَ.

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى عيسى بنُ يونسَ، عن أبيه، عن مجاهدٍ، قال: إلى مولدِك، [إلى مكة] (١).

والصوابُ مِن القولِ فى ذلك عندى قولُ مَن قال: لرادُّك إلى عادتِك مِن الموتِ، أو إلى عادتِك حيثُ وُلدتَ. وذلك أن المعادَ في هذا الموضعِ المَفْعِلُ مِن العادةِ، ليس مِن العَوْدِ، إلا أن يُوَجِّهَ مُوَجِّهٌ تأويلَ قولِه ﴿لَرَادُّكَ﴾: لمُصَيِّرُك. فيتوجَّهُ حينَئذٍ قولُه: ﴿إِلَى مَعَادٍ﴾. إلى معنى العَوْدِ، ويكونُ تأويلُه: إن الذى فرَض عليك القرآنَ لمُصَيِّرُك إلى أن تعودَ إلى مكةَ مفتوحةً لك.

فإن قال قائلٌ: فهذه الوجوهُ التي وصَفتَ فى ذلك قد فهِمناها، فما وجهُ تأويلِ مَن تأوَّله بمعنى: لَرَادُّك إلى الجنةِ؟ قيل: ينبغى أن يكونَ وجهُ تأويلِه ذلك كذلك على هذا الوجهِ الآخرِ، وهو: لمُصَيِّرك إلى أن تعودَ إلى الجنةِ.

فإن قال قائلٌ: أوَ كان أُخرج مِن الجنةِ، فيقال له: نحن نُعِيدُك إليها؟ قيل: لذلك وجهان؛ أحدُهما، أنه إن كان أبوه آدمُ صلى اللهُ عليهما أُخرج منها، فكأن ولدَه بإخراجِ اللهِ إِيَّاه منها قد أُخرجوا منها، فمَن دخَلها فكأنما يُرَدُّ إليها بعدَ الخروجِ. والثاني، أن يقالَ: إنه كان دخَلها ليلةَ أُسْرِى به، كما رُوى عنه أنه قال: "دخَلْتُ الجنةَ، فرأيتُ فيها قَصْرًا، فقلتُ: لمَن هذا؟ فقالوا: لعمرَ بنِ الخطابِ" (٢) ونحوُ ذلك مِن الأخبارِ التى رُويت عنه بذلك، ثم رُدَّ إلى الأرضِ، فيقالُ له: إن


(١) في م: "بمكة".
(٢) أخرجه أحمد ١٤/ ١٧٨ (٨٤٧١)، والبخاري (٣٢٤٢، ٣٦٨٠، ٥٢٢٧، ٧٠٢٣، ٧٠٢٥) ومسلم (٢٣٩٥) وغيرهم من حديث أبي هريرة.
وأخرجه أحمد ١٩/ ١٠٣، ٢٠/ ٢١٤، ٢٩٦ (١٢٠٤٦، ١٢٨٣٤، ١٢٩٨٣)، والنسائي (٨١٢٧) وغيرهما من حديث أنس. وفى الباب عن جابر ومعاذ بن جبل وبريدة الأسلمى.