للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بيَّنا معنى "الخَلْقِ" فيما مضى بما أغنى عن إعادتِه في هذا الموضعِ (١).

فتأويلُ الكلامِ إذن: إنما تعبدون من دونِ اللهِ أوثانًا، وتصنعون كذبًا وباطلًا. و "إنما" في قولِه: ﴿إِفْكًا﴾ (٢). مردودٌ على ﴿إِنَّمَا﴾، كقولِ القائلِ: إنما تفعلون كذا، وإنما تفعلون كذا

وقرَأ جميعُ قرأةِ الأمصارِ: ﴿وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا﴾ بتخفيفِ الخاءِ من قولِه: ﴿وَتَخْلُقُونَ﴾ وضمِّ اللامِ، من "الخَلْقِ". وذُكِر عن أبي عبدِ الرحمنِ السُّلميِّ أنه قرَأ: (وَتَخَلَّقُونَ إفْكًا) بفتح الحاء وتشديد اللامِ، من "التخلُّقِ" (٣).

والصوابُ من القراءةِ عندنا في ذلك ما عليه قرأةُ الأمصارِ؛ لإجماعِ الحجَّةِ من القرأةِ عليه.

وقولُه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا﴾. يقولُ جلَّ ثناؤُه: إنَّ أوثانَكم التى تعبدونها لا تَقْدِرُ أنْ ترزقَكم شيئًا، ﴿فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ﴾. يقولُ: فالتمسوا عندَ اللهِ الرزقَ، لا مِن عندِ أوثانِكم، تُدركوا ما تبتغون من ذلك، ﴿وَاعْبُدُوهُ﴾. يقولُ: وذِلُّوا له، ﴿وَاشْكُرُوا لَهُ﴾ على رزقِه إياكم، ونعمِه التي أنعمَها عليكم.

يقالُ: شكرتُه. و "شكرتُ له" أفصحُ من "شكرتُه".

وقولُه: ﴿إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾. يقولُ: إلى اللهِ تُرَدّون من بعدِ مماتِكم، فيُسائلُكم (٤) عما أنتم عليه من عبادتِكم غيرَه، وأنتم عبادُه وخلْقُه، وفي نعَمِه


(١) ينظر ما تقدم في ١/ ٤٥٣.
(٢) مراد المصنف "إنما" المقدرة فى قوله: "وتخلقون إفكا"، وفى معانى القرآن للفراء ٢/ ٣١٥: "وتخلقون إفكا" مردودة على "إنما".
(٣) في م: "التخليق". وهى قراءة عون العقيلى وعبادة وابن أبي ليلى وزيد بن على. ينظر البحر المحيط ٧/ ١٤٥.
(٤) فى م: "فيسألكم".