للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقرَأ ذلك بعضُ الكوفيين: ﴿مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ﴾. بنصبِ "المودَّةِ" وإضافتِها إلى قوله: ﴿بَيْنِكُمْ﴾، وخفضِ ﴿بَيْنِكُمْ﴾ (١).

وكأنَّ هؤلاء الذين قرءوا قوله: (مَوَدَّة). نصبًا، وجَّهوا معنى الكلامِ إلى: إنما اتخذتم أيُّها القومُ أوثانًا مودةً بينَكم. فجعَلوا "إنما" حرفًا واحدًا، وأوقَعوا قولَه: ﴿اتَّخَذْتُمْ﴾ على الأوثانِ، فنصَبوها، بمعنى: اتخَذتموها مودّةً بينَكم في الحياةِ الدنيا، تتحابُّون على عبادتِها، وتَتَوادُّون على خدمتِها، فتتواصَلون عليها.

وقرَأ ذلك بعضُ قرأةِ أهلِ مكةَ والبصرةِ: (مودَّةُ بَيْنِكُمْ). برفعِ "المودةِ"، وإضافتِها إلى "البينِ"، وخفضِ "البينِ" (٢). وكأن الذين قرَءوا ذلك كذلك، جعَلوا "إِنَّ مَا" حرفين، بتأويلِ: إن الذين اتخذَتم من دونِ اللهِ أوثانًا، إنما هو مودّتُكم للدنيا. فرفعوا "مودة" على خبرِ إنَّ. وقد يجوزُ أن يكونوا على قرَاءتِهم ذلك رفعًا بقولِه: "إنما" أن تكونَ حرفًا واحدًا، ويكونَ الخبرُ متناهيًا عندَ قولِه: ﴿إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا﴾. ثم يبتدئُ الخبرَ فيقالُ: ما مودتُكم تلك الأوثانَ بنافعتِكم، إنما مَوَدَّةُ بينِكم في حياتِكم الدنيا، ثم هي منقطعةٌ. وإذا أُريد هذا المعنى كانت المَودَّةُ مرفوعةً بالصفةِ بقولِه: ﴿فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾. وقد يجوزُ أن يكونوا نوَوا (٣) برفعِ المَودَّةِ، رفعَها على ضميرِ "هي"

وهذه القراءاتُ الثلاثُ مُتقارباتُ المعانى؛ لأن الذين اتَّخَذوا الأوثانَ آلهةً يعبدونها، اتَّخَذوها مودةَ بَيْنهم، وكانت لهم فى الحياةِ الدنيا مودةً، ثم هي عنهم منقطعةٌ. فبأىِّ ذلك قرَأ القارئُ فمُصيبٌ؛ لتقارُبِ معانى ذلك، وشهرةِ


(١) وبها قرأ حمزة وحفص وروح. النشر ٢/ ٢٥٧.
(٢) وبها قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي ورويس. المصدر السابق.
(٣) في م: "أرادوا"، وفى ت ١: "يروا".