للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يدعون؛ لأن القومَ فى حالِ نزولِ هذا الخبرِ على نبيِّ اللهِ لم يكونُوا موجودين؛ إذ كانوا قد هلَكُوا فبادُوا، وإنما يقالُ: إن اللهَ يعلَمُ ما تدعون. إذا أُرِيد به الخبرُ عن موجودين لا عمَّن قد هلَك.

فتأويلُ الكلامِ إذ كان الأمرُ كما وصَفْنا: إن اللهَ يعلَمُ أَيُّها القومُ حالَ ما تعبُدون من دونِه من شيءٍ، وأن ذلك لا ينفَعُكم ولا يضرُّكم، إن أراد اللهُ بكم سوءًا، ولا يُغْنِى عنكم شيئًا، وإن مثَلَه في قلةِ غَنائِه عنكم، مثَلُ بيتِ العنكبوتِ في غَنائِه عنها.

وقولُه: ﴿الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾. يقولُ: واللهُ العزيزُ في انتقامِه ممن كفَر به، وأَشْرَك في عبادتِه معه غيرَه، فاتقوا أيُّها المشركون به عقابَه، بالإيمانِ به قبلَ نزولِه بكم، كما نزَل بالأممِ الذين قصَّ اللهُ قَصَصَهم في هذه السورةِ عليكم، فإنه إن نزَل بكم عقابُه، لم يُغْنِ عنكم أولياؤُكم الذين اتَّخَذْتُموهم من دونِه (١)، كما لم يُغْنِ عنهم مِن قبلِكم أولياؤُهم الذين اتَّخَذوهم من دونِه، الحكيمُ في تدبيرِه خلقَه، فمُهْلِكٌ مَن اسْتَوْجب الهلاكَ، في الحالِ التي هلاكُه صلاحٌ، والمؤخِّرُ من أخَّر هلاكَه من كفَرةِ خلقِه به إلى الحينِ الذي في هلاكِه الصلاحُ.

وقولُه: ﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: وهذه الأمثالُ، وهى الأشباهُ والنظائرُ، ﴿نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ﴾. يقولُ: تمثِّلُها ونشبِّهُها، ونحتجُّ بها للناسِ، كما قال الأعشى (٢):


(١) بعده في م، ت ١: "أولياء".
(٢) ديوانه ص ٢٣٧.