للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بجدالِ ظلمة أهلِ الكتاب بغيرِ الذى هو أحسنُ، بقولِه: ﴿إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾. فمعلومٌ، إذ كان قد أَذِن لهم فى جدالِهم، أن الذين لم يُؤذَنْ لهم في جدالِهم إلا بالتي هي أحسنُ، غيرُ الذين أذِن لهم بذلك فيهم، وأنهم غيرُ المؤمنين (١) لأن المؤمنَ (٢) منهم غيرُ جائزٍ جدالُه إلا في غيرِ الحقِّ؛ لأنه إذا جاء بغير الحقِّ فقد صار في معنى الظُّلَمةِ، فى الذى خالَف فيه الحقِّ. فإذ كان ذلك كذلك، فبيِّنٌ أن لا معنى لقولِ مَن قال: عَنَى بقولِه: ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ﴾ أهلَ الإيمانِ منهم. وكذلك لا معنى لقولِ مَن قال: نزَلت هذه الآيةُ قبلَ الأمرِ بالقتالِ. وزعَم أنها منسوخةٌ؛ لأنه لا خبرَ بذلك يَقْطَعُ العُذْرَ، ولا دلالةَ على صحتِه من فطرةِ عقلٍ.

وقد بيَّنا في غيرِ موضعٍ من كتابِنا، أنه لا يجوزُ أن يُحْكَمَ على حكمِ اللهِ في كتابِه بأنه منسوخٌ إلا بحجةٍ يَجِبُ التسليمُ لها من خبرٍ أو عقلٍ (٣).

وقوله: ﴿وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه للمؤمنين به وبرسولِه الذين نهاهم أن يُجادِلوا أهلَ الكتابِ إلا بالتي (٤) هي أحسنُ: إذا حدَّثكم أهلُ الكتابِ أيُّها القومُ عن كُتُبِهم، وأخبَروكم عنها بما يُمْكنُ، ويَجوزُ أن يكونوا فيه صادقين، وأن يكونوا فيه كاذبين، ولم تَعْلَموا أمرَهم وحالَهم فى ذلك، فقولوا لهم: ﴿آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ﴾ مما في التوراة والإنجيلِ، ﴿وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ﴾.


(١) فى م، ت ٢:"المؤمن".
(٢) في ص: "المؤمنين".
(٣) ينظر ما تقدم في ٣/ ١٢٤.
(٤) في ت ١، ت ٢: "بالحق".