للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأطاعوه فيه، وانتهوا عما نَهاهم عنه، ﴿لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا﴾ يقولُ: لمُنْزِلَنَّهم مِن الجنةِ عَلَاليَّ.

واختَلَفت القرأةُ فى قراءةِ ذلك؛ فقرَأته عامةُ قرأةِ المدينةِ والبصرةِ وبعضُ الكوفييِّن: ﴿لَنُبَوِّئَنَّهُمْ﴾ بالباءِ، وقرَأته عامةُ قرأةِ الكوفةِ بالثاء: (لَنُثْوِيَنَّهُمْ) (١).

والصوابُ مِن القولِ فى ذلك عندى أنهما قِراءتان مشهورتان في قرأةِ الأمصارِ، قد قرَأ بكلِّ واحدةٍ منهما علماءُ من القرأةِ، مُتقارِبتا المعنى، فبأيَّتِهما قرَأ القارئُ فمُصِيبٌ؛ وذلك أن قولَه: ﴿لَنُبَوِّئَنَّهُمْ﴾. من: بَوَّأْتُه مُنزِلًا، أي: أنزَلتُه، وكذلك: (لنُثْوِيَنَّهم)؛ إنما هو مِن: أثْويتُه مَسْكَنًا. إذا أَنزَلْتَه مُنزلًا، مِن الثَّواءِ، وهو المُقامُ.

وقولُه: ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾. يقولُ: تَجْرِى مِن تحتِ أشجارِها الأنهارُ، ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾. يقولُ: ماكِثين فيها إلى غير نهايةٍ، ﴿نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾. [يقولُ: نعمَ جزاءُ العامِلين] (٢) بطاعةِ اللهِ هذه الغُرَفُ التي يُثْوِيهُموها اللهُ فى جَنَّاتِهِ، تَجْرِى مِن تحتِها الأنهارُ، ﴿الَّذِينَ صَبَرُوا﴾ على أذَى المشركين في الدنيا، وما كانوا يَلْقَون منهم، وعلى العملِ بطاعةِ اللهِ وما يُرْضِيه، وجهادِ أعدائِه، ﴿وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾. [يقولُ: وعلى ربِّهم يتوكلون] (٣) في أرْزاقِهم وجهادِ أعدائِهم، فلا يَنْكُلون (٤) عنهم؛ [ثقةً منهم] (٥) بأن اللهَ مُعْلِى كلمتِه، ومُوهِنُ كيدِ


(١) هي قراءة ابن مسعود والأعمش ويحيى بن وثاب وحمزة والكسائي. السبعة لابن مجاهد ص ٥٠٢، وتفسير القرطبي ١٣/ ٣٥٩.
(٢) سقط من: ت ٢.
(٣) سقط من: م.
(٤) غير واضحة في ت ١، وفي ت ٢: "يتكلمون". ونكل عن الأمر: جَبُن، ونكَص. الوسيط (ن ك ل).
(٥) سقط من: ت ١.