للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كِتَابٍ مُنِيرٍ (٢٠)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: ﴿أَلَمْ تَرَوْا﴾ أيُّها الناسُ، ﴿أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ﴾؛ من شمسٍ وقمرٍ ونَجمٍ وسَحابٍ، ﴿وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾؛ من دابةٍ وشجرٍ وماءٍ وبحرٍ [وفُلكٍ] (١) وغير ذلك من المنافع، يُجْرَى ذلك كُلُّه لمنافِعكم ومصالِحكم؛ لغذائِكم وأقواتِكم وأرزاقِكم ومَلاذِّكم، تتَمتعون ببعضِ ذلك كلِّه، وتنتفِعون بجميعِه، ﴿وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾.

واختلفتِ القرَأةُ في قراءةِ ذلك؛ فقرَأه بعضُ المكيِّين وعامةُ الكوفيِّين: (وأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعْمَةً) على الواحدةِ، ووجَّهوا معناها إلى أنه الإسلامُ، أو إلى أنها شهادةُ أن لا إله إلا اللهُ. وقرَأتْه عامةُ قرأَةِ المدينةِ والبصرةِ: ﴿نِعَمَهُ﴾ على الجماعِ (٢)، ووجَّهوا معنى ذلك، إلى أنها النِّعمُ التي سخَّرها اللهُ للعبادِ، مما في السماواتِ والأرضِ، واستشهَدوا الصحةِ قراءتِهم ذلك كذلك بقولِه: ﴿شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ﴾ [النحل: ١٢١]. قالوا: فهذا جمعُ النِّعم.

والصوابُ من القولِ في ذلك عندَنا: أنهما قراءتان مشهورتان في قرَأةِ الأمصارِ، متقاربِتا المعنى، وذلك أن النعمةَ قد تكونُ بمعنى الواحدةِ، ومعنى الجماعِ، وقد يَدخلُ في الجماعِ الواحدةَ. وقد قال جل ثناؤُه: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ [إبراهيم: ٣٤]، فمعلومٌ أنه لم يَعْنِ بذلك نعمةً واحدةً. وقال في موضعٍ آخَرَ: ﴿وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٢٠) شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ﴾ [النحل:١٢٠، ١٢١]، فجمَعها، فبأيِّ القراءتين قرَأ القارئ ذلك فمصيبٌ.


(١) سقط من: ص، ت ٢.
(٢) قراءة التوحيد والتأنيث هي قراءة ابن كثير وابن عامر وعاصم - في رواية أبي بكر - وحمزة الكسائي، وقراءة الجمع والتذكير هي قراءة نافع وأبى عمرو وحفص. السبعة ص ٥١٣، والتيسير ص ١٤٣.