للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بعضُهم أولى ببعضٍ في كتابِ اللهِ. قال: وكان المؤمنون والمهاجرون لا يَتَوارَثون وإن كانوا أُولى رحمٍ، حتى يُهاجروا إلى المدينةِ. وقرَأ قَوْلَ اللهِ: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا﴾ إلى قولِه: ﴿وَفَسَادٌ كَبِيرٌ﴾ [الأنفال: ٧٢، ٧٣]. فكانوا لا يَتَوارَثون، حتى إذا كان عامُ الفتحِ، انْقَطَعَت الهجرةُ، وكثُر الإسلامُ، وكان لا يُقْبَلُ مِن أحدٍ أن يكونَ على الذي كان عليه النبيُّ ومَن معه، إلا أن يُهاجِرَ. قال: وقال رسولُ اللهِ من بعَث: "اغْدُوا على اسمِ اللهِ، لا تَغُلُّوا ولا تَوَلَّوا، ادْعُوهم إلى الإسلامِ، فإن أجابوكم فاقْبَلوا، وادْعُوهم إلى الهجرةِ، فإن هاجَروا معكم، فلهم ما لكم، وعليهم ما عليكم، فإن أبَوْا ولم يُهاجِروا واخْتارُوا دارَهم، فَأَقِرُوهم فيها، فهم كالأعرابِ تَجْرِى عليهم أحكامُ الإسلامِ، وليس لهم في هذا الفَيْءِ نصيبٌ". قال: فلما جاء الفتحُ، وانْقَطَعَت الهجرةُ، قال رسول الله : "لا هجرة بعد الفتح". وكثُر الإسلامُ، وتَوارَث الناسُ على الأرحامِ حيثُ كانوا، ونسَخ ذلك الذي كان بينَ المؤمنين والمهاجرين، وكان لهم في الفَيْءِ نصيبٌ، وإن أقاموا وأبَوْا، وكان حقُّهم في الإسلامِ واحدًا؛ المهاجرُ وغيرُ المهاجرِ والبَدَويُّ وكلُّ أحدٍ، حينَ جاء الفتحُ (١).

فمعنى الكلام على هذا التأويلِ: وأولو الأرحامِ بعضُهم أولى ببعضٍ من المؤمنين والمهاجرين ببعضِهم أن يَرِثوهم بالهجرةِ، وقد يَحْتَمِلُ ظاهرُ هذا الكلامِ أن يكونَ من صلةِ الأرحامِ من المؤمنين والمهاجرين، أَوْلى بالميراثِ، ممن لم يُؤْمِنْ ولم يُهاجِرْ.

وقولُه: ﴿إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا﴾. اخْتَلَف أهلُ التأويلِ في


(١) ينظر ما تقدم في ٦/ ٦٧٨، ٦٧٩، ١١/ ٢٩٦.