للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ﴾ يقولُ: بئس ما باعوا به أنفسَهم (١).

فإن قال لنا قائل: وكيف قال جلَّ ثناؤه: ﴿وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾. وقد قال قبلُ: ﴿وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ﴾. فكيف يكونون عالِمين بأن من تعلَّم السحرَ فلا خلاقَ له (٢)، وهم يجهَلون أنهم بئسَ ما شرَوْا بالسحرِ أنفسَهم؟

قيل: معنى ذلك على غيرِ الوجهِ الذى توهَّمتَه من أنهم مرصوفون [بجهلِ ما] (٣) هم موصوفون بالعلمِ به، ولكنَّ ذلك من المؤخَّرِ الذى معناه التقديمُ، وإنما معنى الكلامِ: وما هم بضارِّين به من أحدٍ إلا بإذنِ اللهِ، ويتعلَّمون ما يضرُّهم ولا ينفعُهم، ولبئس ما شرَوْا به أنفسَهم لو كانوا يعلَمون، ولقد علِموا لمن اشتَراه ما له في الآخرةِ من خلاقٍ. فقولُه: ﴿وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾. ذمٌّ من اللهِ تعالى ذكرُه فعْلَ المتعلِّمين من المَلَكَين التفريقَ بينَ المرءِ وزوجِه، وخبرٌ منه جلَّ ثناؤه عنهم أنهم بئس ما باعوا (٤) أنفسَهم، برضاهم بالسحرِ عِوضًا من (٥) دينِهم الذى به نجاةُ أنفسِهم من الهلكةِ، جهلًا منهم بسوء عاقبةِ فعلِهم، وخسارةِ صفقةِ بيعِهم؛ إذ كان قد يتعلَّمُ ذلك منهما من لا يعرِفُ اللهَ، ولا يعرِفُ حلالَه وحرامَه، وأمرَه ونهيَه. ثم عاد إلى الفريقِ الذى أخبَر عنهم أنهم نبَذوا كتابَه وراءَ ظهورِهم كأنهم لا يعلَمون، واتَّبَعُوا ما تَتْلُو الشياطِينُ على ملْكِ سليمانَ وما أُنْزِل على الملَكَينِ، فأخبَر عنهم أنهم قد علِموا أن من اشتَرى السحرَ ما له في الآخرةِ من


(١) تقدم تخريجه في ص ٢٤٦.
(٢) في م، ت ٣: "لهم".
(٣) في م، ت ١، ت ٣: "بالجهل بما".
(٤) في م: "شروا به".
(٥) في م: "عن".